ما ثرنا إلا لنتحرر , ولا مستقبل دون حرية , هي الروح التي تجمعنا أكثر مما تفرقنا فتثمر الخير والتقدم والبناء , حركة الإنسان الكمالية المتصاعدة تبدأ من تحرره الداخلي والنفسي من أحقاده وضغائنه وذهنية الماضي .
واقعنا اليوم بائس واسي , ينقلنا من حالة الثورة لحالة الفوضى ,تبدد الحرية التي انتزعناها بتحطيم حاجز الصمت والرعب , لا يوجد أكثر عداء للحرية من إحساس الناس بالجمود أو العجز في تغيير الواقع وتكيفه ليلبي طموحاتهم وأمالهم فالذين ذاقوا طعم الحرية لا يمكن أن يفرطوا فيها أذا تنبهوا للخطر الذي يحيط بهم والمصيبة الكبرى إذ تركز ضعفهم في عدم قدرتهم على اختراق القناع الذي يتظاهر به أعداؤها بعيدا عن الطاعة العمياء والتهافت وراء الصراخ والعويل والشعارات الجوفاء , علينا أن نكون أكثر حذار ونتعلم كيف نقرا دروس حركة التاريخية .
ملاذنا هي شرعيتنا مخاض أرادة الثورة الشعبية , فرضت حوار وطني بشفافية , فتح مجال للقهر ليتفجر ,افرغ الناس ما فيهم , وكفى أن ينتصر لقضيتهم في ترسيخ قيم ومبادئ الدولة الضامنة للمواطنة والحريات والنظام والقانون القادرة على كلبشت الفساد والاستبداد والطغيان وتقديمهم للعدالة لتأخذ مجراها , محافظين على ما تبقى من وطن ونسيج , توافقنا على مخرجات تحقق الاستقلال والسيادة للجميع والتوزيع العادل للثروة والسلطة , أولوياتنا اليوم هي جبهة الدفاع عن تلك المخرجات ضد القوى التقليدية التي انقلبت عليها لتبقى متسيدة طاغية .
شرعية فتحت ذراعيها للجميع بكل أطيافهم وألوانهم , لتلوذ بنا من التشضي , والذهاب نحوا المجهول والسقوط في فوضى عارمة لا تحمد عقباها , شرعية تعمل على تسوية الملعب السياسي , دستور ونظام وقوانين تحكم إيقاع العمل والعلاقات , ليكون الشعب صاحب الإرادة في انتخابات واستفتاء , يقول كلمته الفصل في تقرير المصير , ذلك هو مشروع الشرعية كشجرة عملاقة يجب أن نرعها ونسقيها بعرقنا وجهدنا ودمائنا لتثمر خيرا للجميع .
الغير جدير بتجاوز ماضيه يتطفل حاضره بذهنية مصابة مجهدة من ضغط الإرث التاريخي والمذهبي بثقله وحمولته و سجالة , ثقل عصبوي طائفي مناطقي مقيت وأيدلوجي ممزق للحمة ,مبدد كل الجهود والتطلعات لهذه الأمة المنكوبة، إذ ظل هذا الإرث الماضوي يمثل ساحة حرب , يلوك البعض ماسيه ومظالمه حتى لوث حاضره , متمسك بتراث بالي تجاوزته المرحلة والعصر ,البعض كئيب وكأب واقعنا في حالة من التشاؤم الغير صحي , عكر صفو المرحلة , صانعا فوضى من الشيطنة للأخر ,مرعوب متوجس من الشركاء كفاشل لا يريد احد أن يشاركه وطن ,شيطن وتشيطن , وكثيرا من الشياطين يمثلون دور الملائكة ببراعة , واقع صعب شتت جهود الخيرين وعكر صفو الحياة وأعاق مسار التحول ومجرى حركة التاريخ المتغير .
نجزم أن للشرعية أخطاء وهفوات , من هو في المحك يكون تحت المجهر ومن لا يعمل لا يخطئ , ولكن من يبحث عن الأخطاء عليه أن يتطهر منها أولا , ومن يشكك بذمم الآخرين عليه أن يبرئ ذمته ,مثل هكذا طفيليات تقتات على جسد الشرعية , تلمع صورتها بتشويه صورة الشرعية , تحشد جماهيرها ضد الشرعية ,تعيب ولا تعاب , وتطلب من الشرعية المستحيل وهي تتربص لأخطائها وهفواتها ,بل تعيق حركتها وتُستفز من نشاطها , تريد أن تنجح بإفشال الشرعية , وفي الأخير تدعي الوطنية وتكيل كل تهم وشتائم العالم على الشرعية ,في مفارقة غريبة وعجيبة , لخلق فوضى خلاقه هي واقعنا اليوم , فقر ومرض وجهل وخذلان ما لم تكن السبب فبتأكيد هي جزءا مهما من السبب .
في ظل هذه الفوضى لا يمكن تبرئة التحالف العربي في ضبط إيقاع الهدف الذي وجدوا من اجله هي استعادة الشرعية , الخروج عن الهدف كان له تداعياته وخطورته في تشجيع الطامعين بالسلطة والثروة , اليوم يتجلى الشعور بالخطر الذي قد يهدد المنطقة والسلم الاجتماعي ,وضرورة مراجعة الحسابات والاستراتيجيات لدعم الشرعية لتستعيد مكانتها وتتخلص من الطفيليات العالقة على جسدها وتصحح وضعها وتقييم عملها وتتطهر من فسادها وأسباب فشلها , وهذا ما تقوم به اليوم دول التحالف لدعم الشرعية , الشرعية التي قاومنا تحت رايتها , وتدخل التحالف لاستعادتها , وكانت زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لفخامة الرئيس الشرعي عبدربة منصور هادي في مكان إقامته تصب في هذا الاتجاه , لقاء وتبعه لقاءات متتالية مع قوى سياسية فاعلة ومؤثرة على الأرض يصب في دعم الشرعية , ولا مجال اليوم لتجاوز الوطن أزمته وماسية وما نحن فيه من تشضي دون استعادة الشرعية لمكانتها كسلطة انتقالية تؤسس لدولة ضامنة للمواطنة والحريات لنتجاوز الماضي وعلله وماسية , دولة يكون فيها الشعب مصدر السلطات وصاحب الإرادة الوحيدة في تقرير المصير والمستقبل المنشود .
احمد ناصر حميدان