احمد ناصر حميدان
علمني الزمن إن الفرص لا تتكرر، وإن المراحل لا تُعاد، علمني أن أكون شديد الحرص واليقظة التامة خوفا من تكرار ماسينا وفشلنا وخذلاننا، وأن لا نُستغل ونُستثمر لأجندات غير وطنية ومصالح أنانية، أن أكون صعب التدليس والتغرير.
وعلمتني الرياضيات، التي عشقتها من الصغر وتخصصت بها و دَرَسْتُها، نمت مداركي وصاغت تفكيري بمنطقها، علمتني أن لكل شي في الوجود قيمة كان صغيرا أو كبيرا، وأننا جميعا مجموعة من القيم والمبادئ لا قيمة للحياة بدونهما، وأن الانتقال من جهة لأخرى يغير من قيمتي، وأن السالب كلما ازدادت أرقامه كلما قلت قيمته، بالايجابية سأكون رابحاً، وأن لكل متغير قيمة تؤدي إلى نتيجة لنختار متغيراتنا جيدا لنصل إلى نتيجة ترضينا.
وتعلمت منها أن استعمل عقلي ليروض مشاعري، وأن أسير نحو الحل وفق معطيات ونظريات الواقع، لا أومن بالتنبؤات، ما أره أمامي استنبط منه النتائج، وابني عليه اختياراتي ومواقفي، أدرك النوايا من الخطاب، لا تغريني الشعارات والأقوال احكم بالسلوك والأعمال.
أرى أناساً هائمون في ماضيهم، واهمون به، غير آبهين بالمتغيرات، وعصيين على التغيير، ربع قرن كافي لان يتغير الواقع والتحالفات، ليرجع الكثير مواقفه، ويقرأ واقعة، متغيرات العصر لا يراها غير العقل الرياضي النشط الكابح للغرور والنزوات والنزعات، المتسامح مع ماضية وحاضره لينتقل لمستقبلة، عقل مستنبط بفطنة، متشوق لمواكبة العصر والمرحلة، ليستقيم واثقا قويا متسلحا بالقيم والمبادئ، متسامحا نافضا عن كاهله الماضي وأحقاده وضغائنه، كثائر للإنسانية جمعا حيثما وجد ظلما وظلام امتدت يداه لينتزع الظلم وينير الظلام.
أشاهد ثمة مغالطات لا يستوعبها عقلي، هناك من يرفض الأخر بحجة شركاء الحرب التي ظلمته ويتحالف مع جزءا من تلك الشراكة، يحارب التطرف والإرهاب بمن كانوا إرهابيين ولازالوا متطرفين.
كان شاكيا باكيا، وعندما تمكن شكا منه الآخرون وبكوا، كان مسجونا فتحول إلى سجّان وفتح أحدث المعتقلات.
ثار معنا ضد الاستبداد والطغيان، وانقلب علينا ليتحول لمستبد وطاغي، ويؤسس لصنم منافس قوي للزعيم، في موكبه وخطابه، بثقافته وسلوكه يصم آذانه حتى لا يسمع الأنات، يصر على إجراءاته الأحادية بنفس التحدي والعنجهية، والتسلق بالوطنية، مشاهد تتكرر بسخرية.
خصمنا معروف، عصابة ولوبي فساد وإجرام، وقوى تقليدية متخلفة ونافذة، لا يمثلون الجغرافيا، بل عبثوا بها واستباحوها، ثورة الربيع المصيرية عمت كل ربوع الأرض، لتؤسس لنظام يجتثهم، وقانون يحاسبهم، ودولة اتحادية تضمن المواطنة والتوزيع العادل للسلطة والثروة، لا عداء ولا قطيعة مع أي جغرافيا، عدائنا وقطيعتنا مع سلوكيات وثقافة وممارسات وأشخاص بعينهم مدانين بحيثيات.
لماذا إذن يصرون على قطيعة الجغرافيا ؟! من تخدم تلك القطيعة؟ لا تخدمهم، ولا تخدم وطناً، وشعباً قد اندمج وتداخل وتصاهر وترابط لسنوات بل لقرون، شعب واحد وموحد الثورة والمصير، شعب له تاريخ عريق وأصالة وحضارة، شعب جذوره ثابتة في الأرض وفروعه مرتفعة في السماء، شعب من عاداه خسر واندحر، شعب تواق للحرية لا يقبل التبعية والارتهان.
لا هؤلاء يمثلون الجنوب ولا أولئك يمثلون الشمال، هم نفس الذهنية لنفس الغاية، حالة مرضية مزمنة سيتعافى منها الوطن وينتصر، ما يمثلنا هو صندوق انتخاب ديمقراطي نزيه.