يسلم الوطن

2017/12/10 الساعة 01:43 صباحاً

 

فيصل علي 

حضرت مع عدد من الأصدقاء عزاء الرئيس السابق علي صالح رحمه الله، أقامه فرع المؤتمر الشعبي العام في ماليزيا، وهناك يمكنك أن ترى بوضوح أن قتل الفئة الباغية للرئيس صالح بهذه الطريقة البشعة محل غضب شعبي عام، اختلفنا أو اتفقنا مع صالح أثناء حكمه وبعد خلعه من السلطة في 2011 إلا أن قتله علامة فارقة في تعامل هذه العصابة - القادمة من مزبلة التاريخ - مع اليمنيين، لا أحد فوّض أنصار الشيطان لقتل أي يمني، ولا أحد راضي عن قتلهم للناس، هؤلاء دخلاء على اليمن عرقاً وطائفة وفكراً إرهابياً منحرفاً.

العزاء في عرفنا وفي عادات مجتمعنا مناسبة خاصة  يحضره  الناس سواء كانوا متفقين أو مختلفين في كثير من القضايا، والعادات المجتمعية تأتي نابعة من الموروث الثقافي والذي يتشكل من قيم ودين المجتمع وسلوكه وعاداته.

و من لديهم تحفظ في حضور عزاء كهذا هم من البعض الذي لا يستطيعون أن يفرقوا بين  ما هو اجتماعي و ما هو سياسي، السياسة من الطبيعي أن يختلف حولها و فيها الناس، فهي وسيلة لإدارة الخلافات والخوض في ما اختلف فيه المجتمع، لكن المجتمع له قوانينه وقيمه، وهي جامعة للناس، تجمع ولا تفرق، ليس من المعقول أن اختلف معك سياسياً و اجعل  هذا الخلاف السياسي  خلافا اجتماعيا أيضاًً، فما يسري على السياسة لا يسري على المجتمع..

مجتمعنا برغم كل ما يمر به إلا أنه متميز عن غيره من المجتمعات، وبرغم كل التعقيدات التي فيه إلا أنه يظل نقياً و طيباً وعفوياً، ويتعامل بطريقة "كل شيء في بابه"، في المناسبات من العزاء إلى الأعراس إلى الأعياد كلها مناسبات جامعة للأصدقاء والأعداء، مجتمع يدير خلافاته بطيبة نفس متناهية، وبطريقة "مش وقت يا أخي عيد" .

 الحروب والصراعات عملت على تمزيق  الناس، لكنها إلى الآن لم تمزق النسيج الإجتماعي في اليمن برغم كل الدعوات الطائفية والمناطقية والقروية، لماذا ؟ لأن شعبنا يؤمن بأن هويته اليمنية مقدسة لا تمس، يمارس هذا الإيمان سلوكاً وإن كان لا يمتلك فلسفة مكتوبة أو مدونة إلا بعض نتف من مقالات وقصائد وأهازيج شعبية ترفع من منسوب إيمان شعبنا بوحدته و هويته، لا تصل إلى مستوى فكرة وحدة الأمة اليمنية، لكنها ستصل حتما خصوصا مع تسارع كل هذه الأحداث على الساحة اليمنية.

ما يجمعنا في اليمن أكثر مما يفرقنا،    فنحن يمنيون لا مذهبيون، يمنيون لا زيود ولا شوافع، يمنيون لا طائفيون، يمنيون لا قرويون، يمنيون لا جهويون.

 الحزبية وسيلة وليست غاية، والغاية من الأحزاب تنظيم الخلافات وجعل الصندوق الديمقراطي هو الحكم، ومهما بلغت الخلافات السياسية إلا أنه لايجب أن تصل إلى حد تمزيق الوطن أو تمزيق المجتمع أو تمزيق الهوية اليمنية الجامعة.

المؤتمر الشعبي العام اليوم مطالب أكثر من أي يوم مضى بالتمسك ببقائه ككتلة واحدة، رئيسه فخامة الرئيس هادي، ونائب رئيس الحزب هو دولة رئيس الوزراء د. بن دغر،  لا يحتاج المؤتمر إلى قيادة مؤقته في فرع من فروعه، وعليه أن يفوت الفرصة على الهاشمية السياسية من المضي قدماً في استنساخه أو تفريخه أو تمزيقه، فهم كما يقول مولانا  البردوني رحمة الله عليه عنهم : "يجزءون المجزأ.. يصنفون المصنف".

 كنت قد اقترحت على بعض الزملاء هنا في فرع مؤتمر ماليزيا إلى إعلان موقف من تبعية الفرع هنا لرئيس المؤتمر الرئيس هادي، ليكونوا القدوة في هذا الطريق لغيرهم، فهم هنا نخبة من الأكاديميين وليسوا قطاع قبلي ولا ينقصهم الحنكة ولا الهم الوطني، والأمر إليهم.

إخراج المؤتمر من حالة المظلومية التي تراد له هي مهمة قيادة هذا الحزب على مستوى رئاسته وفروعه، فالمظلومية أدعى لضياع الأفراد، والأحزاب في طبيعتها التكوينية والتنظيمية مرتبطة بالأحداث التي تمر بها البلدان، وتحول الأحزاب من أحزاب سلطة إلى أحزاب معارضة هي قمة الديمقراطية، ودليل على نضج تلك الأحزاب، وبقاء الأحزاب صامدة برغم الصراعات والحروب لهو شيء عظيم والأعظم منه هو انخراط الأحزاب في المقاومة، في حال سقوط الدولة، وهذا هو واجب المؤتمر كما هو واجب كافة الأحزاب اليمنية.

 التوقف عند زمن معين وفي الماضي هي قاصمة الأحزاب ، والخروج من هذا المأزق يتجسد بإتباع إرادة الشعب، وإرادة الشعب اليمني اليوم واحدة تتمثل في إنهاء انقلاب الهاشمية السياسية وإعادة الحكم لليمنيين، من أي محافظة كانوا، فاليمن باقية ولن تموت، وسيذهب غبار التاريخ والهاشمية السياسية إلى الجحيم فاليمن لليمنيين، واليمن دولة وليست عرق ولا سلالة، اليمن تستحق جمع وتوحيد كل جهود أبنائها اليوم وليس غداً، و ليسلم الوطن  ..