وداعا سامي أقولها والغصة في حلقي والحسرة تمزق قلبي لأن الحين ليس حينها .
رحل سامي مشيرا بأصبعيه للنصر الذي دفع حياته ثمنا له ؛ فلما أيقن أنه لن يشهده ترك لزمان والمكان هذه الصورة مشيرا بأصبعيه وهنّ مابقي من أصابع يده الخمس لأن الثلاث الأخرى أخذتهنّ شظية حوثية قبل سنتين ومضت حاملةً إياهنّ إلى الجنة ، ذهبت الشظية الحوثية بأصابعه لكنها تركت له الأثر دليلا على شجاعته و بطولته إذا ما جحدها من سيأتي بعده من لصوص الوطنية وسراق النضال .
خور مكسر موئل المقاومة الأول، وعرينها الذي شهد ميلادها لتمتد بعد ذلك على إمتداد رقعة اليمن الكبير نكّست أعلامها حزنا على رحيل واحد من أبطالها ، حزنت شوارع المدينة وأزقتها، وامتلأت زوايا المكان وأركانه صمتا، إجلالا وإكبار لفارس صال وجال على أمتداد رقعة اليمن الكبير ، في مشهد يرسم واحدية الهدف والمصير ، فابن خور مكسر الذي خرج ممتشقا سيفه مطاردا فلول العصابات الحوثية لم تنته معركته عند حدود مدينته الصغيرة ، بل تجاوزها إلى أبين ولحج وصولا إلى المخا حتى حط رحاله على مشارف الخوخة .
لايعرف سامي الكثيرون ، ولم يسمع ببطولاته الكثيرون أيضا ، لأن من يستقوا أخبار البطولة يستقونها من غير مناهلها ، لأن مناهلها الحقيقية لايرد حياضها سوى الأبطال أنفسهم فلا يصح أن يكون المخبر مخبرا عن نفسه ؛ فاكتفى الأبطال بالصمت ، واستغنى الناس عن سماع البطولات الحقيقة بالبطولات الإفتراضية ، فانخفض منسوب البطولات الحقيقة ليرتفع منسوب البطولات الوهمية وهذه واحدة من علامات الجحود والنكران لتضحيات الأبطال الذين يسطرون المآثر والبطولات ولاينتظرون من الناس جزاءا أو شكورا .
رحل باكرا مخلفا وراءه هذه الصورة الحالمة بالانتصار لوطن لم يترك له من أصابعه سوى مايكفيه للتعبير بهما عن النصر !
رحل باكرا كعادته في الحياة لايتأخر إذا ما دعاه الواجب الوطني أو الإنساني فما رايته إلا سباقا في خدمة الناس من يعرفهم ومن لايعرفهم ، في نكران واضح للذات وهذه صفة إنسانية لاتجدها إلا في نفوس أمتلأت كرما وإباء .
يرحل الأبطال الذين يستحقون الحياة ؛ ليشيّد المتهافتون على المناصب والمكاسب من جماجمهم حصونا لأمجادهم الزائفة ، متخذين من صدى مآثرهم سنفونية سياسية للاستمرار في تسويق أنفسهم ، في حين يعود الأبطال في توابيت الكرامة من أجل غايات عظيمة وأهداف سامية ، دون ضجيج أو صخب بعكس مايفعله المتهافتون الذين لا يستحقون الحياة .
يرحل الصالحون الواحد تلو الأخر ، ويسقط الأبطال الواحد بعد الأخر بسرعة عجيبة ، فهل عاف الوطن هؤلاء لأنه غير جدير بضمهم في كنفه ، أم اقتنع هؤلاء بالرحيل لأن المكان ليس مكانهم ولا الزمان زمانهم !
سعيد النخعي
عدن 30/ ديسمبر / 2017م