التاريخ محكوم بقوانين تجعل من تعاقب أحداثه ضروريًا يحكمها قانون التطور والتغيير , عندما نقرر أن نكون ديمقراطيين , فعلينا أن نؤمن بالديمقراطية كسلوك وثقافة ومبدأ , بعيد عن المزاج الشخصي أو ألظرفي .
قبل أن نتوحد كانت الديمقراطية مركزية , كان أستاذي وزميلي التربوي القدير عبد الرحمن الحداد مديرا لثانوية 14 أكتوبر بالمعلى وكنت نائبه , طلب منه الترشح لمجلس الشعب الأعلى لدائرة التواهي أمام الرفيق سعيد صالح وزيرا لأمن الدولة حينها , وكنا نعرف جميعا النتيجة مسبقا , وكان أستاذي بقامته ودوره المشرف بالعمل التربوي التعليمي قادرا أن يكتسح في الانتخابات تخرج على يديه أجيال , هم في مواقع ليست هينة في العمل المهني والإداري والسياسي , لكنه يدرك انه يؤدي دور في ظل نظام شمولي وديمقراطية مركزية , حيث تتحكم سلطة الحزب بمجريات الأمور , كانت مسرحية مرتبة بمناظره ومسرح وجمهور وتصفيق , والنتيجة معده سلفا .
شعر القائمون بهزلية ما يقومون به , فقرنوا الوحدة اليمنية بشرط الديمقراطية الشعبية لا مركزية , ديمقراطية تحتاج لعقول تعي معناها وتؤمن بمحتواها , عقول مؤمنه بالتقدم والتغيير وتحرير الإنسان الفرد من قيود التقاليد والتسلط المرتبطة بالنظام القديم , قادرة على الانتقال للجديد , تعرف جيدا حقوقها وأهمية إرادتها .
التخلف والجهل مصيبة الأوطان , حين استغله وتسلط علينا النظام القديم , وأبقى على شكل من الديمقراطية التي تخدمه , ديمقراطيه يتحكم بها ليبقى متسلط مهيمن متربع السلطة , أفرغها من محتواها , بمسرحيات هزلية لانتخابات مزوره نتائجها معدة مسبقا , وكان المرشح على صالح يكتسح الانتخابات99,9% على كومبارس ينتقيهم بعناية .
حتى اشتد عود المعارضة بتحالف اللقاء المشترك رائده المناضل التقدمي الكبير الشهيد جار الله عمر , تحالف وطني كبير متنوع الأفكار والرؤى والتوجهات , نتاج لوعي وممارسة عملية لسنوات من النضال على الأرض , هذا الوعي هدد المستبد ولم يترك مجال لهزليته ومبرراته في البقاء وإعادة إنتاج كيانه العفن .
كان الفقيد البطل والشجاع فيصل عثمان بن شملان أول مرشح حقيقي للقاء المشترك أمام طغيان واستبداد وفساد علي عبدالله صالح في عز قوته وجبروته , في انتخابات 2006م ,تحت شعار (رئيسا لليمن لا يمن للرئيس ) استطاع أن يحرك في الناس حريتهم , حطم جدار الخوف وحواجز الصمت , واكتسح الساحة بمقولات الحرية والكرامة والعزة , والتغيير والمستقبل المنشود , رافضا للتخلف والظلم والقهر , مؤكدا على إرادة الناس وحقهم في اختيار من يمثلهم ويتولى أمرهم , من هنا بدأ الإنسان اليمني يتحرر من داخله من خوفه , يمكن القول أن بن شملان رحمه الله وطيب ثراه هو من أنار عقول و وجدان الناس بالحرية وأشعل فيهم معنى الثورة , حيث بدأت تتفاعل في ذهنية الجماهير خطاباته وشعاراته , حتى ثورة الجنوب 2007 م , ثم ثورة الربيع اليمني 2011م , كان بن شملان منطلقها ,من يعكروا صفو الحياة اليوم كانوا حينها مع الطاغية , وكنا مع بن شملان .
بن شملان الإنسان المتواضع الكبير بأفكاره وإرادته الغني بحبة وعشقه للوطن والحرية والعدالة , لازال الكثير يصر على اعتباره الرئيس الشرعي , حيث تقول الرواية انه اكتسح الساحة وتفوق على الطاغية صالح وقتها , الذي هدد بإحراق الأرض ومن عليها أن أعلنت النتيجة كما هي , تلك القوه التي كان يلوح بالتهديد بها تبخرت في لحظة أراد الله أن يجعله عبره للناس ومن يفكر أن يستبد ويتسلط على الأرض .
رحم الله فيصل بن شملان اليمني الأصيل ابن حضرموت التاريخ والحضارة , مات شريف عفيف عزيز مكرم حملته الناس على أكتافها وترحم عليه الخصوم قبل مناصريه , وذرفت دموع الحب علية وندم على فراقه الكثير وشكل فراغا , لازال يذكر كعلم من أعلام الخير والتنوير , ونذكره في مثل هذه الأيام من كل عام يوم وفاته 1يناير 2010م .
وكلنا زائلون لن تبقى غير أعمالنا والتاريخ ينصف ويلعن وكلا ما قدمت يداه يسجل دون نقصان , واتعظوا يا أولى الألباب .
احمد ناصر حميدان