كل يوم إزداد يقينا إن مقولة الثلايا - رحمة الله - حقيقة ، وليست من نسج خيال القصص الشعبية ، التي ُتمجّد رموز المجتمع وتشيد بمواقفهم ، ومن يشك في ذلك ؛ ينتقد أفسد مسؤول ، أو أقبح ظاهرة في المجتمع ، وسيرى كيف سينبري للدفاع عن هذا الفاسد أناس مسحوقين لا لهم في العير ولا في النفير ، حتى إنك ستظن من شدة دفاعه عنه إن هذا المسحوق الأجرب نائبا له، أو شريكه! أما إذا انتقدت ظاهرة سلبية ؛ فسيقرؤون بواطن ضميرك ، وسيفسرون نواياك التي لايعلمها إلا الله وحده ، وسيشرقون ويغربون بحديثك ليثنوا كلماتك عن معانيها ، ويفرقون الفاظك من مدلولاتها ، ولن يكلفوا أنفسهم النظر إلى مضمونها .
لذا أطلقها دعوة عامة للصوص المال العام ، وأرباب الفساد من المسؤولين استمرو ؛ لا تخافوا من رقيب شعبي ، ولا حسيب رسمي ، فالمجال أصبح أمامكم مفتوحا ، والخط فارغا ، وما عليكم إلا أن تشمروا عن سواعد الجد والاجتهاد ، وانهبوا كل ما يقع تحت آياديكم ، فلا ضمير سيأنبكم لأن لاضمير لكم أصلا ! ولا جهة ستعاقبكم أو تُسائلكم ، لأن البلد تعيش فراغ اللادولة ، وتدار بالبركة ، ونية الوالدين !
أما المجتمع فسيجعل منك أيها الفاسد ناجحا يشار إليه بالبنان ، إذ سيرفعك العوام إلى مصاف العظماء الذين غيّروا سير التاريخ ، وأما النخب فسيتهافتون عليك كالفراش ؛ يعرضون خدماتهم عليك ، وبالأخص النخبة السياسية والإعلامية ، فالسياسية بعد أن أثبت جدارتك ، وارتقيت بأدائك اللصوصي عفوا الوظيفي ونلت لقب حوت في فترة وجيزة ، فسيتم مُكافأتك بمنحك لقب هامور ، وبحصولك على اللقب ستنضم إلى فئه الهوامير التي تتربع على صدارة مجموعة المليارات شريطة التزامك بقوانيين تقاسم الأرباح نهاية كل فصل من فصول الموازنة السنوية .
أما نخبة الإعلاميين ، والكتاب ، ومعهم سُرّاق المهنة من المفسبكيين سليطي اللسان والبنان ، سيتهافتون عليك كما يتهافت الفراش على الضوء ، والنمل على العسل ، يعرضون خدماتهم ، ومنابرهم لتلميعك ، ونشر إنجازاتك ومآثرك ، وماقدمته للمجتمع من إنجازات عظيمة قل أن يجود الزمان بمثلها ، وسيحشدون الناس للوقوف خلفك ، و الاقتداء بك ، والتّأسي بفضلك ، وصلاحك ، وستجد شريحةً من هؤلاء من سيتطوع معك دون سابق معرفة بك ، أوتطلب منه ذلك ، وسيسطر فيك المدائح التي ستجد نفسك على أثرها طائرا مزهوّا محلّقا في سماء المجد والسؤادد ، وسيصنع لك آخرون تاريخا غير تاريخك ، وسيرةً غير سيرتك التي عُرفت بها بين الناس ، فحتى أمك التي لم تحسن تربيتك ، لن تعلم إن المقصود هو أنت؛ وسأحلف جازما إنها ستظن إن المسالة تشابه في الصور والأسماء فقط ، ولن تصدق أبدا إن المقصود هو أنت ، لأن العجوز تعرف فساد المنتج الذي صدّرته للمجتمع خلافا لمقاييس ومعايير الجودة - سامحها الله - كل هذا سيكتبه عنك قبل أن يعرفك ، أو تطلب منه ذلك ، أما إذا تواصلت معه هاتفيا أضمن لك أن ينزلك منزلة أولياء الله الصالحين ، أما إذا تجرّأت وفعلتها ، وتغلبت على شحك وبخلك ، وقهرت جشع نفسك ، وخطوت نحو أقرب مركز للصرافة وارسلت له مبلغا ولو زهيدا ؛ أضمن لك أن ينزلك منزلة أحد العمرين ، عمر بن الخطاب أو عمر بن عبدالعزير ، أما إذا اجزلت له العطاء ؛ أجزم لك أنه سيقدمك على الأخير ، ولولاء خوفه مما سيناله من صفع أحذية الغيورين الذين سيشتاطون غضبا لأبي حفص لقدّمك على أمير المؤمنيين دون حياء أو خجل .
سعيد النخعي
عدن 14/ يناير / 2018م