في المجتمعات المتخلفة من السهل إخفاء الأسباب خلف الذرائع , فينجر البسطاء خلف الذرائع غير معنيين بالأسباب , فإذا بهم جزءا من الهشيم التاريخي المتراكم .
الصراع عبر التاريخ صراع إرادات محكوم بقيم ومبادئ , تكبر وتصغر الأمم بحجم قدرتها على التمسك والحفاظ على هذه القيم وثبات الإرادة واستعدادها للتضحية .
نحن من نصنع الظروف ونسخرها لخدمة قيمنا ومبادئنا , المشكلة في من تصنعه الظروف وتجره ليكن جزءا من فرضياتها متخليا عن قيمه ومبادئه .
لم أتصور يوما أن أتخلى عن قناعاتي الوحدوية , تربيت وترعرعت على حلم الوحدة الوطنية والعربية والإسلامية , ولازال الحلم يسكنني ولازال الطموح يشغلني .
إراداتي قيم ومبادئ , الأشخاص عندي أدوات منضبطة بالنظام والقانون الكابح للنزوات والأنانية والاستبداد السياسي والديني بكل صوره الطائفي والمناطقي .
كلما تمكنت الظروف من التغلب على الذات كلما صغرت الإرادة لتضيق بنا ليتخلى الفرد منا عن المشروع الوطني الكبير الجامع ليبحث عن مشروعه الخاص الصغير ضيق الأفق .
الدولة بمؤسساتها هي المخرج لما نحن فيه من صراعات سلبية مدمرة , دولة مدنية ضامنة للمواطنة والحريات , تبنى على أسس وطنية متفق عليها , بجيش وامن وطني ولاءه لله ثم الوطن يحمي الاستحقاقات والأرض والإنسان والسيادة والكرامة , بنظام وقانون نافذ , يضبط ايقاع حركة الحياة والعلاقات والاختلاف والخلاف يحفظ التنوع والقدرة على التعايش ويضمن الحياة الكريمة للجميع والديمقراطية والحرية والتبادل السلمي للسلطة .
هذه إرادتنا في مواجه مع أرادة القوى التقليدية قوى الاستبداد والهيمنة المناطقية والطائفية سياسية ودينية و أحيانا وطنية .
كادت أحلامنا أن تتحقق في مخرجات الحوار الوطني التي أوجدت صيغة مشتركة لدولة اتحادية ونظام وقانون يحفظ للجميع حقوقهم وحقهم في العيش الكريم والتوزيع العادل للسلطة والثروة كان للجنوب أو للشمال , انقضت عليها القوى الاستبدادية العصية على التغيير لتحفظ قدرتها على الاستبداد والهيمنة والحكم كطائفة أو منطقة أو عرق أو سلاله , ولازلنا في خضم الصراع لننتصر لإرادتنا .
وكلما اقتربنا من تحقيق الأحلام والطموحات والقناعات تبرز لنا تلك القوى بصورة وشكل أخر لتفرض واقعها الاستبدادي ومشروعها الصغير متسلحة بنفس الأدوات القوة والسلاح والمليشيات والولاء للطائفة أو المنطقة لتخلق صراعات هامشية لا علاقة لها بقضيتنا ومشروعنا الكبير .
اليوم يتكرر المشهد ,حينما جن جنونهم , لبدء الحياة تتطبع والمؤسسات تتشكل وأعمدة الدولة تستقيم , والموازنة تعد لتضبط إيقاع الاقتصاد والإيرادات والرواتب , لتوقف نزيف المال العام لجيوب اللصوص والناهبين والفاسدين , لتصب هذه الإيرادات في البنك المركزي لتضخ كرواتب وموازنات تشغيل مؤسسات الدولة , وتفعيل دور الرقابة والمحاسبة والقضاء والنيابة , لتبدأ الدولة تحاسب و تتحاسب وفق الاختصاصات .
وسيستمر الصراع بين أرادتين , أردة المشروع الوطني الكبير والمشاريع الصغيرة , لننتصر لإرادتنا الوطنية ومشروعنا الوطني الكبير .
احمد ناصر حميدان