عندما سيطر الوعي على المشهد الثوري وتفوق العقل والتفكير المنطقي , في تجاوز الماضي والانتقال لما هو أفضل , تطهر الكثير من القبح العالق فيهم , وارتدوا جمال الروح والأفكار , ورصفت جسور الترابط والثقة , ونشرت الأفكار الصالحة , كان المشهد جميلا بشبابه ومثقفيه , برزت القوى الجديدة من الشباب والمرأة والقوى النيرة ,كعمود الخيمة في التحول والتقدم والنماء الفكري والحضاري , من أولوياتهما الدولة والمؤسسات والقيم والمبادئ , لا زعامات ولا طائفية ولا مناطقية , ولا سخافات عنصرية .
لا مناص من أهمية الوعي السياسي , كونه ضرورة ملحة في التحول والمستقبل المنشود , كمرحلة عمرية فاصلة في حياتنا , العقل والمنطق يجنبنا تكرر ماسينا , يحصنا من الارتماء في حضن الاستبداد الديني والسياسي , والتعصب الطائفي والمناطقي العفن .
عفن اليوم هو تعصب البعض للفكرة والمشروع والمنطقة والطائفة , تعصب قذر , يرمي صاحبة في وحل من الجهل والتخلف , لينحط ثقافيا وأخلاقيا في تعامله مع الآخرين ومع الوطن كمشروع حلم وطموح امة .
اليوم الرأي الأخر متهم لا فرصة له لإثبات براءته , اليوم يستثمر البعض دماء الشهداء وتضحيات امة لمشروعه الصغير وأنانية أفكاره وضيق نظرته , هو وهو فقط من يحمل هم وطن , من اجله واجله فقط قدمت قوافل الشهداء , ولهذا يحدثكم باسمهم , وهو يبدد أحلامهم , ويجر الوطن لما لا يحمد عقباه , من تعصب وعصبية , بجهل وتخلف , خلف المغرضين , والشحن للاندفاع خلف العنف والحسم بقوة البندقية , مراهن على مليشيا تمارس انتهاك وفساد فكري وأخلاقي ملموس على الواقع , لتغيب الدولة والمعايير ومقاييس الوظيفة , ليتصدر المشهد اللصوص وفاسدين ومتعصبين بل إرهابيين في علاقاتهم مع الأخر حيث لا تعايش ولا قبول لمن يختلف معهم .
من سخريات القدر , أن يحمل الفاسد راية محاربة الفساد , يحارب الفساد فيفسد المجتمع , ويحارب الإرهاب ويرهب المجتمع , يرفض أن يكون شريكا فاعلا في ترسيخ مؤسسات الرقابة والمحاسبة والنيابة والقضاء , ومؤسسات الدولة التي من خلالها يمكن محاربة الفساد وفق الحق , المتهم بري حتى تثبت إدانته , ومثل هولا حسم أمره في إدانة الأخر ولم يستطيع أن يبرئ ذمته من عهدته من المال العام , ويعطي نفسه الحق في السطو والاستحواذ والاستئثار بالإيرادات ومكاتب السلطة , حينما يسود النظام والقانون سيكون هو أول المدانين , والغارقين بالفساد , ولهذا يتصرف كمعتوه ليعطل سيادة الدولة بنظامها وقوانينها ومؤسساتها , واستثمر التعصب وغياب الوعي .
الدولة الضامنة للمواطنة والحريات هي أملنا , النظام والقانون هو زعيمنا والحكم بيننا , لضبط إيقاع الحياة والعلاقات , ليكون الفرد مجرد موظف منضبط بلوائح وقانون ودستور , خرق تلك اللوائح والقانون والدستور جريمة يحاسب عليها , حيث لا رحمه في الحق العام , والثوابت الوطنية , وحق الآخرين .
تلك هي الأسس التي تبنى عليها الدول الضامنة للمواطنة والعدالة , لا لفرض أمر واقع يدفع بنا لحضن مستبد ثوري قادم من وحل التخلف الفكري والثقافي , كعسكري بليد يرغب أن يكون سياسي , الاستبداد يجري في دمه وثقافته وسلوكه , أو مناطقي قذر يصنف الناس وفق أهوائه المشوهة , وهذا لن يقبله مجتمع حي وحر واعي لمصالحه كالمجتمع المدني في عدن .
احمد ناصر حميدان