التصالح والتسامح وعي ثقافي وفكري وسلوك , كان مجرد شعار للاستهلاك , تفوقت عليه المناكفة وثقافة العنف السائدة , والاصطفاف المناطقي والطائفي القذر , اعتقدت أن 13 يناير المشئوم كانت درسا مؤلم وعبرة مهمة في مسار حياتنا واختياراتنا ومستقبلنا المنشود , التهمت كل أخيارنا من كوادر مؤهلة وشخصيات سياسية محنكة وقامات ثقافية وفكرية وإعلامية , مجهود سنوات من البناء المجتمعي والثقافي والسياسي والاهتمام بالتنمية البشرية كعمود هام في النهضة والتطور .
32عام مرت ولازلت اشعر بمرارة الظلم الذي لحق بالمهزوم وعنجهية المنتصر , وأحس بقهر المطحونين وحسرت اسر المفقودين والشهداء من كل أطراف الصراع , التمست أوجاع المنتصر عندما هزم , وشطحات المهزوم عندما أنتصر, خسرنا وطن ومشروع النهضة , لهذا لم أتصور تكرار السيناريو, حينما فجاءتنا أحداث يوم أمس , وبدا رفاق الدرب والحياة وشركاء الوطن يقتلون بعض من الإخوة والجيران وزملاء المدرسة والجامعة ورفاق الجبهات , حركتهم صراعاتهم وأحقادهم ونسوا الوطن والهم العام , عاد العند وإرادة فرض أمر واقع على الأخر يرسم ملامح الحياة السياسية والفكرية والثقافية .
كنت في حي ريمي , حيث انتشر الرعب والفزع , بين مواطنيها , من تراشق القوى المتصارع بكافة أنواع الأسلحة , يا رحمتي على الأطفال والنساء والعجزة , كانوا يرتجفون خوفا ويتهتهون رعبا , كان لابد أن نهدئ من روعتهم , ونخفف من صدمتهم , ونبحث عن مخبئ يحمينا من الطائش والقذائف , لان مساكننا سقوفها من الزنك , تخترقها الرصاص بسهولة , سمعت صراخ الجيران , والخروج للشارع مجازفة , وكان اضطراري لتواجد طقم عسكري يختبئ وسط الحي ويرمي , الخوف الذي انتابنا من استهدافه ويخلف ضحايا أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب العبثية , كان جمعا من السكان أرغموه على المغادرة , فتحرك للحي المقابل , واشتد التراشق واختبائنا , وفجاه يصمت السلاح , وتنسحب القوات , وتنفسنا الصعداء واطمئنا على بعضنا البعض , والخوف لازال مسيطر على الجميع , وعرفنا حينها أن قوات كانت تريد أن تقتحم مجمع الوزارات في كورنيش ريمي حيث سكن بعض الوزراء , وفشلت , لكنها تركت أثرها في نفوسنا , وتساؤلات عدة , لماذا عدن ساحة لصراعاتهم ؟!
عدن لم تضرهم يوما بل كانت الحضن الأمن الذي يؤويهم , ومصدر رزقهم وتنوير عقولهم ,عرفوا من خلالها ثقافات وأعراق وعلوم وكل جديد وحضاري ,مدنتهم وعلمتهم واعتقدنا أنهم تطوروا وارتقوا , واذا بهم محتفظين بعصبيتهم المتخلفة والعنف ,يحاولون إفراغها في عدن , يوجعونها وتئن منهم ألما وحسرة وقهر , جعلوها مجرد ارض للاستثمار والبيع والشراء ,ومنطقة للمقايضة السياسية , لا تهمهم عدن بل يهمهم كيف يسيطرون عليها ويستحوذون على خيراتها ,ويستثمرون في الخارج , أبنائه مبعدون ومستثنون , بل البعض يعتبرهم مقيمون ويصنفهم بالجاليات وعرب 48م , هذه الحقيقة وان أغضبتهم .
اتركوا عدن تنهض كمنطقة حرة ومركز تجاري حر , تنافس بقوة في الإقليم والعالم , اتركوها لتكن حالة فريدة وطفرة تنعش الاقتصاد في الوطن , لتكن إيقونة الحياة والسعادة والحب والتسامح والأمل والتفاؤل , اتركوها منفتحة على الوطن والإقليم والعالم , ليجري في شرايينها دماء التجديد وتنهض كمركز تجاري حر لننهض كأمة , بعيدا عن الاستحواذ والاستئثار , والعمالة والرهان والتفريط بالسيادة لأطراف تريد لعدن أن تبقى مقيدة فاقدة القدرة على التنافس .
احمد ناصر حميدان