سأظل ثابت الموقف والقناعة أن الشرعية هي أملنا كقيمة ومبدأ , هي مخرجنا مما نحن فيه , هي ترسيخ مؤسسات الدولة الضامنة للمواطنة والحقوق والحريات , والنظام والقانون لضبط إيقاع حياتنا وعلاقاتنا وضمان مواكبة تطورات العصر.
هي بحاجة لإعادة النظر بأدواتها التي لا تلبي تطلعات المجتمع بكل أطيافه وألوانه السياسية والفكرية , لتستظل بها كل قوى المجتمع والسياسة .
كلما طال مدى الصراع وزمن الحرب , كلما تضخمت التراكمات , وتوسعت الشروخ الاجتماعية والوطنية , وأزداد الشتات والفرقة , لتبرز على السطح قوى أكثر عنف واشد تعصبا وتزمت , و تنزاح أدوات الدولة المدنية لتحل محلها أدوات اللادولة أو أدوات الدولة الشمولية , و تبرز العصبيات الطائفية والمناطقية لتحل محل الأفكار والسياسات , فيتعقد المشهد ,وننجر نحو المجهول , ولنا أمثله في الجوار العربي والإفريقي .
لندرك حجم المؤامرة ونكون في مستوى التحدي , حاضرنا امتداد لماضينا المشحون والمحقون بالأمراض , والتركة العفنة من فساد وفاسدين ,وتعصب ومتعصبين , وإرهاب إرهابيين , من ثورة مضادة تتربص بنا , وأمراء حرب يقتاتون على تضحياتنا ودمائنا وأشلائنا , ونفوذ مصالح يرون في الحرب الحفاظ على مصالحهم , كل هولا يشتغلون على الحواجز المعيقة للتوافق والاتفاق لمخرج امن يرضي الجميع يحطمون جسور الثقة يعكرون صفو الحياة يدفعوننا للهزيمة الأخلاقية والوطنية لنكن مثالا سيئا يشمتون به .
الشرعية لا تنحصر في أفراد ومكونات سياسية وفكرية , الشرعية هي قيمة ومبدأ علينا أن نسلكه ونكون فيه شركاء في المسئولية والانجاز والإخفاق , هذا ما تتطلبه المرحلة , والحرب لنستعيد هذه الشرعية ونستعيد وطن , والدولة ومؤسسات الرقابة والمحاسبة والقضاء والنيابة , ويستعيد الناس حياتهم وحقوقهم وكرامتهم في إطار النظام والقانون.
مشكلتنا في الخطاب المأزوم , الذي يدفع للهزيمة , هزيمة الجميع والوطن , كلا يتبجح بالنصر والنزاهة والوطنية والقوة والبسالة والشجاعة , ويكيل وابل من التهم على الأخر , والحقيقة ضائعة بين كم هائل من الإشاعات والمناكفات , والتعصب للمنطقة والمذهب والمشروع , فغاب في دهاليز ذلك الوطن والهم العام والحق .
للحق قوة كامنة في حججه , لا يحتاج لعنف ولا مليشيات , لنجعل الحق قضية إجماع ونحن حماة هذه القضية , سلب الناس حقوقهم هو الباطل بعينه , كالحق الخاص الذي يقوض حقوق الآخرين وبالتالي يقوض حريتهم ويفرض عليهم قناعاته بالعنف .
الغباء السياسي هو تكرر التجارب الفاشلة للآخرين , هو عدم الاستفادة من دروس الماضي واستنباط العبر , لنفكر بعقلية الحاضر , ونحدد الهدف ثم نختار الأدوات الكفيلة بتحقيق هذا الهدف .
لا تستقيم الدولة الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة بأدوات عقائدية وقروية وعسكرية , تفتقد للعقلية المدنية وتقبل الأخر والانفتاح على كل الأفكار والتوجهات والمشاريع , تلك هي أدوات الماضي أدوات الصراع والمشاريع الشمولية والتسلط والهيمنة والاستبداد .
نحن بحاجة للعقلية الجديدة المدنية , بحاجة للفكر والثقافة للوعي الاجتماعي والسياسي بأهمية التغيير والدولة الضامنة للمواطنة بالديمقراطية الشعبية وحرية الرأي والتعدد السياسي والفكري، للوصول لاستحقاق وطني وانتخابات نزيهة وصندوق يعبر بصدق عن إرادة الناس.
بحاجة لمعالجة إفرازات الحرب من قوى وأدوات , لا تخلوا من الانفلات والتعصب والتزمت , من يقرءا بفطنة حرب يناير الأخيرة سيعرف حجم الكارثة , وما حملته من رسائل واضحة .
استهداف المجمع القضائي , تدمير ونهب وعبث بمحتوياته , بينما كان قد بدأ يستعيد القضاء عافيته وبدأت جلسات محاكمة الإرهاب وكشف خيوط المؤامرة ( الاغتيالات والفساد ...)
استهداف الحرس الرئاسي كجيش وطني يخضع للدولة , ونهب الأسلحة وحرق صور فخامة الرئيس وعلم الدولة الاعتبارية , كلها رسائل هادفة , ما لم تعبر عن من يقودها فتعبر عن الانفلات وعدم الانضباط للإفراد وتعدد الولاء كمليشيا تحت الطلب للدفع المسبق لأجندات ومشاريع لا علاقة لها بالوطن وقضاياه .
نحن مسئولون اليوم ولازال الزمام بأيدينا أن فقدنا زمام الأمور فستجرنا جميعا للمجهول لنكن ضحية أطراف أخرى تتربص بنا حينها لا ينفع الندم .
احمد ناصر حميدان