نعم ,يجب أن نرفض التعامل مع تنظيم جماعة الاخوان المسلمين بنظرة عدائية شوفونية أو من منطلق البغض العقائدي ففي ذلك عنصرية مقيته مرفوضة جملة وتفصيلا , لأن مرجعها لابد أن يكون هو الكره المسبق والرفض المطلق للأخر المخالف والمعارض , وهذا مخالف ومناقض لجميع القيم والاعراف والقوانين السماوية والوضعية كافة ,وانتهاك صارخ للحقوق الانسانية بما فيها لائحة الاعلان العالمي لحقوق الانسان ,ولابد لنا أن نتعامل مع الاحداث بحيادية ايجابية ,ونتخذ المواقف بناء على الحقائق الجلية والوقائع المثبتة التي لا تحتمل التأويل والخداع وبناء على معطيات الحدث ذاته . ويجب أن لا ننسى أن الدين والعلم يؤكدان أن الحقيقة نسبية وبالتالي لا توجد حقائق مطلقة ولا يوجد انسان او جهة تحتكر الحقيقة كاملة أو ينسب الى نفسه الصواب على الدوام, فالنفس البشرية خليط من الشر والخير ولا يمكن بكل الأحوال أن يكون هناك شر مطلق أو خير مطلق في داخل كل نفس وعلى الانسان أن يختار لمن تكون الغلبة في نفسه وعمله, فكل واحد منا يصيب هنا ويخطى هناك , ولهذا كان الوحي وأرسل الانبياء ,ثم كانت الشورى والديمقراطية . ودعونا نناقش التفاصيل الدقيقة في احداث مصر الاخيرة كنموذج مازال قائما في موقفنا وتعاملنا مع اخوان مصر, فقد كان معظمنا في تلك الوقائع ضد الاخوان لأنهم أصروا على التعامل مع مرسي كعضو تابع لهم وعليه ان ينفذ تعليماتهم بالمطلق وتجاهلوا انه تحمل الامانة بصفته الشخصية وأدى القسم الدستوري ليكون رئيس للشعب كله وبالتالي فعليه مسؤوليات ووجبات دستورية نحوا وطن وشعب بأكمله ويجب الايفاء بها امام الله والشعب مع العلم بأن مرسي لم يفوز بالجولة الثانية إلا بعد تحالفه مع عدة اطراف ومكونات ثورية ووطنية أهمها المرشح الرئاسي حمدين صباحي و عبدالمنعم ابو الفتوح وحركة 6ابريل وعلى ضوء برنامج عمل تم الاتفاق عليه مسبقا لترشيد الحكم ولإدارة الدولة ,إلا أنه تم بداية التنكر لهذا البرنامج ثم اقصائهم من الادارة ,كما سعى مرسي ومن خلفه تنظيم الاخوان الاستئثار المطلق بالحكم والسلطة من خلال العديد من الظواهر والاجراءات التي كانت بدايتها مصادرة الحقوق والتضييق على الحريات والمنابر ومحاصرة القضاة والتشديد على الاعلام , إلى رفض كل الرؤى والمبادرات من حلفاء العمل السياسي وشركاء الساحة الوطنية الخ , ولم يكن أخرها اصدار مرسي للإعلانات الدستورية التي بموجبها يمنح نفسه المزيد من السلطات ويحصنها من المسألة !؟ . ولذلك جاءت تلك الاحتجاجات الكبيرة والمتصاعدة والتي نتج عنها تشكيل حركة تمرد وغيرها من القوى والتحالفات المعارضة والتي انتهت بمبادرات الجيش وبياناته المتتالية التي كان من الواضح حينها انها ترفض تعنت مرسي في القبول مع مطالب المعارضة ,وحينها كان الأجدر بمرسي أن يتجاوب مع بعض المطالب المشروعة ويقدم شيء من التنازلات من أجل أمن واستقرار مصر إلا أنه تجبر وتكبر ولم يفعل! . وعندما تزايد حجم تلك الحشود والمظاهرات الشعبية المعارضة التي ترفض اعلانه الدستوري الاخير وتحصين سلطاته من المسألة وإدانة القضاء لها ,تجاهل مرسي كل ذلك ,وتنكر للأمانة التي اقسم عليها وتنصل من المسؤولية التي تحملها وقبل كل ذلك تناسى واجبه الديني والتزامه الاخلاقي تجاه شعب كاد أن يقتتل ويتشرذم ووطن على مشارف التشظي والتمزق ,وتمترس مرسي خلف رفضه المطلق ولم يعمل على توحيد الصف وجمع الكلمة ولم يفعل ما يخمد الفتنة !؟ .. ولذلك العديد من الافراد والجهات في مصر وخارجها (وانا واحد منهم )باركت اجراءات الجيش بعزل مرسي في 3يوليوالماضي على اعتبار ان الجيش وقف على الحياد وحرص على منع الاحتكاك وفض الاشتباك الذي كان محتملا بين مكونات ثورة 25يناير , كما أكد الجيش في بيانه الشهير أنه لا يسعى لامتلاك السلطة والسيطرة عليها مجددا . ولكن بعد مرور كل هذه الفترة التي أتضح فيها الطموح غير المشروع للسيسي ونزوعه للاستيلاء على السلطة من خلال خطابه المخجل الذي وجهه للشعب المصري يوم الاربعاء الموافق 24يوليو2013م , ودعى فيه الفريق اول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري جموع الشعب للاحتشاد في جميع ميادين مصر(يوم الجمعة التالي 26/7/2013م ) لتفويض الجيش المصري والشرطة لمواجهة الارهاب والعنف وكل المخاطر التي تهدد الامن القومي المصري الان !؟. وهنا اتضحت نوايا بعض قيادة الجيش الحقيقية في سعيها الحثيث للاستلاء على السلطة من خلال الارهاب بالقوة العسكرية والامنية الضاربة واستخدام الاجراءات القمعية والتعسفية والاتجاه نحوا اعادة العمل بقانون الطوارىء الخ ,فكان لا بد من الوقوف في مواجهة هذه الاجراءات والتي لا تعني بالضرورة الوقوف مع الاخوان وأن كان التضامن معهم في مواجهة الاجراءات الظالمة والتعسفية واجب ديني وشرعي واخلاقي لابد منه . ولمن لا يعلم فأن ميدان رابعة وغيرة من الميادين والساحات المناصرة للشرعية أصبح يضم مختلف فئات وطوائف المجتمع واطيافه السياسية من الليبراليين إلى اليساريين والناصريين والاقباط .. وهَلُمَّ جرّاً. نعم ,أنه من الصحيح أن أي فصيل سياسي كان تصرف مثلما تصرف الرئيس مرسي وتنظيم الاخوان في سعيه للاستئثار بالسلطة والتحول إلى نظام شمولي للحزب الواحد كان سيواجه بذات الموقف وينال ذات المصير لوجود شعب حضاري حي وعظيم . الاخوان تركوا الحق وتنكروا للعدل وتعسفوا المنطق وفقدوا حذرهم واتزانهم لعدة عوامل ليس هنا مجال ذكرها ,ولكن كان من الواجب ايضا الانطلاق من مواد الدستور ونصوص القانون في معارضتنا لهم لا أن ننطلق من قناعات مسبقة لأحقاد كامنة في اظهار الضغينة والعداء المطلق الذي يبيح المحظورات في الاختلاف معهم . في ظل غياب الهيئات وتراجع دورها وتقدم تأثير الافراد, وعدم حيادية المؤسسات وانحيازها لصالح بعض الجهات وتأثيرهما المطلوب في توفير المعلومة واتخاذ القرار سواء في مؤسسات الدولة المختلفة أو في الاحزاب والتنظيمات والجماعات يغيب النهج العقلاني المنظم والعمل المؤسسي المحترف ,مما يعزز من تأثير دور الفرد والعمل العشوائي على رسم السياسات وتحديد الالويات واتخاذ القرار ات ويصبح صوت الفرد هو الاعلى ورؤيته هي الأمضى في مواجهة المنطق ورأي الجماعة المتزن والحكيم ,وفي هذه الحالة أنبرى الكاتب والمفكر محمد حسنين هيكل ليعطي لخيرت الشاطر وطموحاته ه الخاصة واهوائه المريضة الدور الأكبر بل النسبة الكبيرة في فشل مرسي وتنظيم الاخوان . إلا أن الأمر بات اليوم مختلف ,فالإجراءات التعسفية والظالمة المتتالية التي أتخذها للسيسي بانقلابه العسكري ولجوئه للعنف ومصادرته للحقوق والحريات فهو قد غسل بذلك النهج المتسلط (الطامع للاستئثار بالسلطة ولا شيء غير ذلك ) كافة اخطاء مرسي وتنظيم الاخوان المصري . نعم لقد صار الحق بين وأكثر وضوحا بعد قيام جنود الانقلاب ومعهم عسس الظلام وبلاطجة النظام بالقتل بدم بارد لعشرات الاحرار الثوار في ساحتي النصر ورابعة وبات النصر وشيكا عندما أنظم لثوار رابعة مختلف فئات وطوائف واطياف الشعب المصري متضامنين مع الحق رافضين للظلم . حقيقة الأمر تكمن في بساطة بسرها الأبدي وعنوانه هو الوقوف مع الحق ,نعم يجب علينا (افراد وجماعات ,مواطنين واحزاب ,هيئات ومنظمات ,قواعد وقيادات) الوقوف مع الحق حيثما كان . القضية لم تعد محصورة اليوم بعودة مرسي للحكم من عدم عودته اليه , أم بانتصار الاخوان أو هزيمتهم ,فهم قد هزموا عندما خذلوا الثورة والمجتمع طوال عام ولم يلتفتوا جديا لتحقيق امالهم وطموحاتهم بل عملوا للانفراد بالحكم ثم تفرغوا للاستئثار بالسلطة والانغماس في فسادها ..انما القضية باتت اليوم واصبحت من هو مع الحق والعدل والحقوق والحريات , ومن هو ضد الظلم والديكتاتوريات والاغتيالات , بل أكثر من ذلك من يقف مع قاتل ومن يتصدى لهُ ؟ وانا لا املك إلا أن أتصدى لكل قاتل كان في اليمن أو في مصر الكنانة أو في أي بقعة في العالم . نعم .. (ما بات في دار جارك اصبح في دارك) لذلك علينا أن نكون أكثر وضوحا ودقة في ادانة القاتل ولا نكتفي فقط بإدانة القتل والجريمة , كما لا منطق في تبرير القتل ولا حكمة في اباحة سفك الدماء وأن كان كافة الضحايا والشهداء هم من الاعداء الاخوان .. ولامعنى لتبرير الظلم وان جاء في مجمله ومحصلته في خدمة مصالحنا ولصالح اهوائنا الانانية والمريضة ولا مجال للدفاع عن القتلة وشركائهم وان كانوا بمرتبة الوزير السيسي أو مقام شيخ الأزهر وبابا الأقباط . ويجب أن لا ننسى أن مرسي رئيس منتخب وشرعي جاء للحكم من خلال انتخابات ديمقراطية ونزيهة لا تشوبها شائبة بدليل اننا شهدنا لها نحن جميعا كما شهد لها العالم أجمع , ومن يرفض نتائج صناديق الاقتراع لمجرد انها جاءت في غير صالحه أو أنها ليست على هواه وافرزت فوز خصمه ليصل لكرسي الحكم , فينقلب عليها من خلال عقد التحالفات المشبوهة ورفع الشعارات الغوغائية والمطالب الفئوية والحزبية وبث الاحقاد والكراهية لتحقيق اهدافه الانانية الانقلابية, فتكون المحصلة تحريض الشارع على الصدام والتناحر والقتال بل والتأسيس لسابقة غير حميدة في رفض نتائج صناديق الاقتراع والانقلاب عليها عبر اللجوء للشارع في نهج تأمري فوضوي وسلوك غوغائي مغامر سوف يتم القياس عليه والعمل بموجبه مستقبلا من قبل أي طرف سياسي لا تعجبه أو ترضيه نتائج أي انتخابات قادمة لينقلب السحر على الساحر . الخطير في الأمر ايضا أنه بإشاعة هذا الاسلوب المغامر وتثبيته كمنحى سيء ممكن وقائم يتم فيه وأد الديمقراطية في مهدها في أبشع صورة عرفتها الحضارة البشرية ,هو نهج سلبي يترسخ بعمق كمفاهيم خاطئة وسلوك مدمر في الوعي الجمعي والتجربة المجتمعية المصرية بحيث من الممكن أن يبنى عليها لاحقا . وبتكذيب الحقيقة للأوهام المريضة وبتناقض الرغبات مع الواقع , فأن القوى المدنية العلمانية والليبرالية المصرية ومعها الجيش المصري العريق يكونا قد قدما أسواء أداء ونموذج للمعرفة والخبرة الانسانية التي تستند غالبا على التجارب الانسانية المتراكمة كافة والتي يبنى عليها دائما وباستمرار ,والتي سيتبين لاحقاً أنها اضافة سيئة للحضارة الانسانية جمعاء.