عدن أيقونة التعايش والتسامح , لفرادتها في التنوع الفكري والثقافي والسياسي , بتركيبته سكانية مواطنين من شتى الأعراق والمناطق والأديان , بيئة غنية بالحب والتسامح ,فيها تفوق الوعي عن العصبية والتعصب , يسألونك من أنت ؟ لا من أين أنت ؟ .
هذا تاريخ يخضع اليوم لامتحان عسير في ظروف عصيبة , يمر بها الوطن , وعدن في المحك كمركز تنوير وتوعيه , مركزي حضاري وثقافي وفكري إبداعي فني ,قبل أن تكون مركز تجاري ومنطقة حرة تستقبل رؤوس الأموال والبيوت التجارية , بكل أعراقها وأديانها .
ماضينا كله جراح وألم , أصابنا بمقتل ونحن شباب مثخنين بالطموح وتشع أفكارنا بالأمل القادم المنشود الذي بدده التخلف الجاثم علينا و حطمتنا الانتماءات الصغيرة تقاتلنا بالقبيلة والطائفة والشللية والمذهب , فاحت روائحنا الكريهة لتسود وتهدم الروح الجمالية فينا , تبددت أحلامنا وتبخرت , مررنا بدروس قاسية , أثرت فينا إيجابا وسلبا , إيجابا اشتد عود البعض وتمسك بصلابة بقيمه ومبادئه الإنسانية , وتفتح وعيه وتوسعت أفق مداركه , مشروعه بحجم وطن وأمة , وسلبا للضعفاء لم يكونوا بمستوى التحديات, شرختهم نفسيا وأصابتهم عقليا ,جراحهم غائرة في أرواحهم , فصغرت مشاريعه للمنطقة والقرية والعصبة , خطابهم بمفردات عنصرية في تحليلاتهم وأحلامهم وأمالهم , داسوا على القيم الإنسانية والمبادئ الوطنية , برروا كل انتهاكات الإنسان لأخيه الإنسان , انشغلوا بثارات الماضي ونزعاته من أحقاد وضغائن , مصابون وأصابوا المجتمع بدائهم .
كتب ابن خلدون في مقدّمته ) : إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فاعلم أن الفقر قد اقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة واستعباد ومهانة كمن يساق للموت وهو مخمور ) , وإصابة العقل لها تبعات خطيرة على السلوك والفكر والتعامل مع الأخر , من نفور واشمئزاز للشركاء , يودي لسلوك غير سوي ومظاهر عدم المساواة , وللتعافي يحتاج المريض لمعالجة الأوهام العقلية التي أفرزت مفاهيم زائفة، على مر السنين، من الصراعات والحروب والتراكمات والثارات, ليستعيد المريض إنسانيته أولا ليستقيم عقله وتفكيره ويتعافى من أوهامه .
السنا امة سواسية , شركاء في الأرض والمصير , اليوم صار العالم قرية كونية , خيرا لنا أن نبحث على لغة مشتركة توحدنا , لنتوافق ونتقارب , لا تفرقنا غير أنانيتنا وجشعنا وأطماعنا , أذا تجاوزناها تجاوزنا أمراضنا , بالعدل تستقيم النفوس ويعتدل ميزان العلاقات .
إن الاعتراف بهذه الحقيقة هو الترياق الأمثل لمرضى المناطقية والطائفية والعنصرية والخوف من الآخر ولسائر مظاهر التفرقة, نستعيد إنسانيتنا كطوق نجاة والبساط الذي سينقلنا لوضع سوي متسامح مبني على تعدد الثقافات والأفكار مجتمع عادل خالي من التعصب والعنصرية مجتمع حضاري .
حينها يمكن الحديث وبثقة عن الدولة الضامنة للمواطنة , يمكن التوافق والاتفاق على وطن يستوعبنا , وشراكة حقيقية في الحياة والتعايش بسلام وحب وتسامح , مهما كان شكل الدولة اتحادية أو دولتين , ليس مهما لأنها حدودا وهمية نحن نصنعها على الخريطة , ما يهم جوهر الدولة الضامنة للمواطنة والحقوق والواجبات , لنرتقي ثقافيا وفكريا وروحيا , لنتفوق سياسيا ونواكب العصر والعالم ونلحق بالأمم التي سبقتنا بقرون .
احمد ناصر حميدان