أحرقوا صحيفة أخبار اليوم , منبري المتاح احرقوها ومحتواها مقالي , أفكار دونتها عن النفق الذي لازال البعض تائها فيه , نفق الماضي المليء بالماسي والتراكمات السلبية , و النباشين في قماماته للبحث عن ما يعكر صفو الحاضر ليعيق الولوج للمستقبل , وأحرقت مادتي الثقافية عن تاريخ عدن وصورة ناصعة من هذا التاريخ للفن التشكيلي العدني ,للقامة الفنية وسفير عدن واليمن في هذا المجال المغفور له المرحوم فؤاد الفتيح , حريقا موجع فوق وجع أسبوع من فقدان ناس أعزاء وقامات من فؤاد الفتيح للمناضل الرفيق احمد علي إبراهيم للزميل التربوي سالم العفاري رحمهم الله وتولاهم بمغفرته .
احرقوا المنبر الذي اطل منه كل يوم بمقال , عن عدن وهموم اليمن , متصديا للكراهية والمناطقية والطائفية , منورا للعقول الضالة منتزعا منها عصبيتها وعصبتها , محاربا ضلالة الفكر وإرهابه الديني والسياسي كاشفا الوهم والمغالطات المسيئة فاضحا الوجه القبيح للواقع .
الحرق والتدمير انتكاسة , وإنذار كاشف للوجوه المتقلبة , واللاعبين من تحت الطاولة , للمغرضين , ومشروع تبديد الأحلام و الطموح والآمال , تعويق الحرية والعدالة و الدولة الضامنة للمواطنة , و الرأي والرأي الأخر .
من أشعل النيران فيها , جاهل لا يدرك أهمية ما احرق من مطبعة صحفية بقيمتها المعنوية والثقافية والفكرية والإنسانية , معاني لا يفهمها ولا يستوعبها , أكاد اجزم انه لا يقرءا , وان قراء لا يفهم ولا يستوعب , مجرد كتله مشحونة بالكراهية والبغضاء كتله من الثار القابعة في نفق الماضي البائس , كتلة عنيفة للحشد ضد الأخر والفكر الأخر , والإرث الحضاري والثقافي والتنوع الجميل في الوسط الاجتماعي ,أداءه مسلوبة الإرادة نتاج تحريض وحشد وتغرير , أداءه متوحشة تدفع لتجريف الحياة من جمالها ونورقها وإيقونتها من تنوع وتسامح وحب وتوافق واختلاف في الرأي , تدفع لتصفية النفس التي حرمها الله , كتلة إرهابية مخصصة لترهيب كل من يقول لا ويرفض الخنوع والاستسلام والارتهان والولاء لغير الوطن والمشروع الوطني الكبير .
حريقهم قدرته محدودة يلتهم ما هو مكتوب على الورق , عصية عليه الأفكار , العالقة في العقول ,ستظل طليقه تخاطب الضمير الإنساني والوطني , أفكارا حيه تتدفق من قلمي وقلم كل شريف و وطني غيور ما دام فينا روح تنبض وعقل يفكر وضمير حي مشغول بهم الوطن والإنسانية , في مجال مفتوح يتقبل الحقيقة ويرفض المغالطات والإشاعات والأوهام .
احرقوا قصاصات ورق , وآلات ومداد للطباعة , احرقوا جمادا يشترى ويستورد بالنقود , عندما عصى عليهم شراء الأفكار والرؤى والعقول والضمائر , ستظل تعيش ويتداولها جيلا يتلوا جيل , أفكار تقف لهم بالمرصاد و تتصدى لمشروعهم التخريبي والشتات والارتهان والتبعية والتأمر , تتصدى للعصبية والمناطقية والطائفية والفكر الشمولي .
نارهم كشفت عن وجههم القبيح , فسقطوا أخلاقيا وقيما , سقطوا في انتهاكاتهم الجسيمة , تكشفت عوراتهم القذرة , وبهذا ينفرط الناس من حولهم ويتآكلون شيئا فشيئا , وينهارون لقاع الوحل ومزبلة التاريخ وحتمية السقوط الأخلاقي سقوطا سياسيا و وطنيا .
ولن يبقى غير الحق يصدح عاليا في سماء الوطن وعقول و وجدان الشرفاء والإعفاء من المال المدنس لبيع الضمير والتفريط بالوطن والسيادة , لن تبقى غير النفوس الطاهرة والعقول النيرة , الجديرة بتجاوز نفق الماضي وقماماته , المستوعبة لتحديات الحاضر القادرة للولوج للمستقبل المنشود والحلم الموعود .
احمد ناصر حميدان