في الحالات الاعتيادية لطبيعة الحروب ذات الأهداف التوسعية للدول الطامحة لبناء الامبراطوريات، تقوم تلك الدول بغزو الشعوب الأخرى عن طريق القوة الصلبة على النمط الاستعماري التقليدي القديم، للسيطرة عليها واستغلال اقتصادها ومصادر ثرواتها، والأمثلة كثيره على ذلك منها الاستعمار البريطاني والفرنسي والياباني لدولٍ أسيوية وأفريقية كثيرة.
ثم تطورت أنماط وأساليب الغزو وفقاً لتطور العقلية الإستعمارية وظهور الحركات التحررية في كثير من شعوب العالم في مطلع النصف الثاني من القرن العشرين وتفعيل المجتمع الدولي لدور المنظمات الدولية الداعية والمدافعة عن سيادة الدول وحق الشعوب في التحرر والانعتاق من نير الاستعمار وقيوده الظالمة.
فربطت الدول الاستعمارية مستعمراتها بسياساتها عن طريق بعض الروابط والمعروفة كرابطة الكومنولث البريطانية التي تضم الى جانب بريطانية 52 دولة من مستعمراتها السابقة وكذلك الرابطة الفرنكفونية الفرنسية التي تضم 56 دولة عضوا كانت من مستعمرات فرنسا سابقا.
سيطرت الدول الاستعمارية حديثاً على تلك الدول عن طريق ما يسمى بالقوة الناعمة أي عن طريق التأثير الثقافي والسياسي والاقتصادي داخل تلك الدول. والقوة الناعمة تتضمن إجباراً وإلزاماً غير مباشرين لتبني سياسات الدول الإستعمارية ليس بالقوة بل عن طريق سجال عقلي وقيمي يهدف إلى التأثير على الرأي العام في داخل الدولة وخارجها وبالتالي تحصل الدول الاستعمارية على ما تريده من الدول طواعيةً من خلال الجذب والتطويع.
تلك حالة من حالات الغزو الحديث والمعاصر أما الحالة الثالثة فهي حالة الغزو من الداخل عن طريق صناعة الأنظمة والعصابات والأحزاب الموالية للدول الاستعمارية، وهي الحالة التي تنبأ بها شاعر اليمن البردوني في قصيدته "الغزو من الداخل" لقوى الاستعمار الحديثة كروسيا وأمريكا مثلاً و كذلك إيران الصفوية التي استخدمت الدين الاسلامي للدخول إلى اعماق الشعوب من بوابة دينها ومعتقداتها، زارِعةً فيها ايديولوجيتها الدينية الممزوجة بخليط من المصالح الاقتصادية والشعوذات الشيعية التي صيغت وفقاً لأهدافها وهواها بهدف استعادة امبراطورية فارس التي سقطت أمام خيول الفاتحين في عصر عمر بن الخطاب الذي تعتبره من ألد أعدائها التاريخيين فعمدت إلى تشويهه ايما تشويه.
فدخلت لبنان وغزتها من الداخل عن طريق حركة أمل التي تحولت فيما بعد إلى حزب الله اللبناني ودخلت سوريا بقوة بعد رحيل حافظ الأسد أما العراق تعده جزءً من إمبراطورتيها وفقاً لدعوى تاريخية طالما استشعرها وحذر من مخاطرها الرئيس العراقي صدام حسين رحمه الله الذي وقف أمامها بقوة الرجل القوي الذي كان لا يقابله أحد دون أن يرتبك أمامه في العشر الدقائق الأولى كما أفاد شاعره الصابئي المُجيد، عبدالرزاق عبدالواحد عند لقاءه به لأول مرة، وكذلك مملكة البحرين والدول المطلة على الخليج العربي أو كما تسميه هي الفارسي.
أما اليمن فتحاول غزوه من الداخل عن طريق مخالب القط الحوثي وزمرته الهاشمية الطامحة لاستعادة الحق الالهي المزعوم بحكم اليمن عن طريق وصايا مكذوبة وطموحات قرشية طالما سُفكت على إثرها الدماء منذ مقتل على بن طالب رضي الله عنه إلى اليوم.
اليمن الذي أقام ابناؤه الملك والممالك والنُظُم من قبل أن تعرفها القوى الدولية المهيمنة اليوم النظم والقوانين، فكان أول ظهور للقوانين في التاريخ قبل قانون حمورابي في العراق سنة 2000 قبل الميلاد في اليمن منظماً الأسواق التجارية وتوزيع مياه الري والنظم العسكرية والادارية.
فأصبحت اليمن محط أنظار واهتمام القوى الاقليمية والدولية نتيجة للأهمية الاقتصادية والجغرافية والبشرية والارث التاريخي الحضاري الأصيل الذي يتمتع به ويمتلكه، الأمر الذي لم يدركه ابناؤه واصابهم العمى عن رؤية لتلك المميزات والحقائق، فأصبحنا فريسة انهالت عليها السكاكين من كل جانب.
أنها أهداف وطموحات ممتدة لآلاف السنين حملها الغراب وأعراق الفرس للسيطرة والتحكم برقاب العرب اليمنيين الاقحاح أصل العرب وأرومتهم في اليمن، وأصل سكان الجزيرة العربية كلها، وعليه لابد من الدعوة إلى مراجع عربية قومية ودينية مقابل المراجع القومية والدينية الفارسية لأننا مجتمع عربي مسلم له روحه وتاريخه خصائصه وفرائده، وله أوضاعه وقضاياه الخاصة التي لا يمكن لرجلٍ فارسي إدارتها وتفهُمها.
وعليه لابد من تضافر والتفاف كل اليمنين إذا لم يتفهم الاقليم المجاور قضيتهم الشائكة حول أنفسهم وبحسب المثل القائل لقد ذاب الثلج وبان المرج، وشعشع الفجر وانقشع بعد النور الظلام، وظهرت المطامع الخارجية في شماله والجنوب وأخذ الحذر من المنافق الذي يتزيا بزي الأخيار ويلبس لباس التقوى، وفي داخله بركين وقودها الحقد الغدر والخيانة، وصفهم البردوني رحمه الله بقوله
والناس شرٌ واخيارٌ وشرهم*منافق يتزيا زي أخيارِ
وأضيع الناس شعبٌ بات* يحرسه لصٌ تستره أثواب أحبارِ
وفي ثغره لغة الحاني بأمته*وفي يديه لها سكين جزارِ