عاد أعضاء الحكومة ولم يعد نايف البكري

2018/04/14 الساعة 11:42 صباحاً

 

بعد أن قرر المجلس الانتقالي إسقاط حكومة بن دغر ، ووعد أنصاره بإسقاط المناطق المحررة ، واستبدال الشرعية الدستورية بالشرعية الثورية ، وتعهّد لأنصاره بكنس الجنوب من عدن حتى المهرة من الشماليين والعفاشيين والاصلاحيين وأزلامهم وأذنابهم الجنوبين ، وقطع على نفسه عهدا ،  أمام أنصارهم أن تكون الجنوب خالصة لهم ، ولا أنصارهم دون غيرهم ، لايشاركهم فيها شمالي ولا جنوبي ، ولا عربي ولاعجمي ، إلا من ارتضى أن يكون ذيلا ، والذيول يعلم الجميع الدور الذي يناط بها ، والمهمة التي خلقها الله لها ،  والتلميح عن  مهمة الذيول يغني عن التصريح ... وزع  الشعب إلى ثلاث فئات،  قيادات ، وأنصارا ، وذيولا ، ومابقي من الشعب تم توزيعه على ثلاث فئات أيضا ، اصلاحيا ، عفاشيا ، حوثيا ، وتجتمع الفئات الثلاث الآخيرة  تحت عنوان الخيانة والعماله ، وبهذا التقسيم زاد الانتقاليون  فئة ، على تقسيم الحوثيين حين قسموا  الشعب إلى فئتين قناديل وزنابيل ، ولابأس هنا  أن يزيد الجنوبيون  صنفا ثالثا ؛ ليثبتوا للآخرين تميّزهم وحفاظهم على سلوك المزايدة المتوارث فيهم   من أيام مرحلة ( إضافة إلى ماقال : الرفيق لينين )

في حدث غريب عجيب ،  لم يحدث في أي بلد من العالم ، ولم يشهده مجتمع من مجتمعات العرب والعجم ، ولا شعب من شعوب المعمورة المشهورة منها  أوالمغمورة ، وهو مهرجان ساحة العروض ، الذي خرج بتفويض عيدروس الزبيدي بتشيكل مجلسا انتقاميا عفوا انتقاليا ، لإدارة الجنوب ، وإعلان استقلاله ، أو فك وثاق رباطه ، وكأنه حمار ضرب له قيدا بأحدى رجليه ولاينتظر سوى فك رباطه فقط ، ليعود لممارسة حياته بين أفراد القطيع .

زمجر  المجلس الانتقالي ، ورعد  ، وكأنه جمل هائج أغضبته تصرفات جمّاله ، ولم يعد يرى من الوجود سوى مايمليه عليه غضبه ، ألقى بحمولته من على ظهره ، أكل لجامة ، ورمى بكل الأعراف والتقاليد التي تنظم   العلاقة بين الجمل وجمّاله ، كما هو متعارف عليه في قوانيين الجماله  ، والحمالة ،  والبتالة  لم يحسب  الجمل حسابا لما بعد الغضب ، إذ لم يترك له غضبه سعة من أمره ، للتفكير في خط الرجعة إذا ما أصلح الله شأنه مع جمّاله ، وأعاده الله إلى زريبته التي ليس له مأوٍٍ سواها   .

قرّر الانتقالي إسقاط الحكومة ، وسبق ذلك بحشد إعلامي ليس له نظير ، إلا حملات المنافسة بين الجمهورين والديمقراطيين في انتخابات الرئاسة الأمريكية ،  أُطلقت صافرت البداية ، للرؤوس والأذناب والحوافر والنعال ، بالانطلاق نحو الهدف الأسمى ، والحلم الأغلى ، والشرف الأعلى ، الذي لايضاهيه حلما أو عملا أو إنجازا ، وهو  استعادة الدولة الجنوبية ، وعاصمتها عرن ... هاجت قيادة الانتقالي وهاجت معها القواعد ، فحين استبّد الغضب بالجمل في الواقعة السابقة ، والقى بحمولته عنوة رغم أنف جماله ، وأكل لجامة ، وقطع قيده ، ونزع خطامه حتى خرم أنفه ، وسألت دماؤه حتى أمتزجت برغوة غضبه المتدفقة من على جوانب شدقيه ، مرددا  لا جماله ، لا حماله ، لا بتالة ، لا أسفارا ولا ترحالا ، لا صاحب  بعد اليوم ولا زريبة ...  فرؤية صاحبه لاتذكره إلا بالعبودية ، والزريبة لاتذكره سوى الرّق ... فأملت ثورة الغضب على الجمل إن الحرية منه قاب قوسين أو أدنى ، تماما كما أملت على قيادة الانتقالي وأتباعه وأذنابه وحوافره ونعاله ، أن الجنوب أصبح أقرب إليهم صبيحة 28 يناير من أي يوم مضى من أيام الوحدة المشؤمة ، التي اسقطت الجنوب من علياء فردوس النعيم ، إلى دركات الجحيم ، وهاهو اليوم يتأهب لاستعادة الفردوس المفقود ، الذي يبدأ من أسقاط المعاشيق ، إذن فلتسقط معاشيق ، ولتطرد الحكومة ، وليصلب بن دغر ، والميسري ، وثالثهم صالح الجبواني جزاءا بما اقترفه لسانه ، وخطته بنانه ، ولتقطع أيديهم ، وأرجلهم ، ويصلبوا على جذوع النخل ، أو ينفوا من الأرض ،  كما أخرج كبيرهم هادي  ، وقبله نايف البكري  ، الذي ُنفي منذ ثلاث سنوات ؛  ولايزال منفيا إلى اليوم ، حتى ذكّرني حال الرجل بحال آل لوط حين أخرجهم قومهم من قريتهم  لأنهم  أناس يتطهرون ، فنفي البكري لايزال ساريا ، جزاءا على  مواقفه ، ونظافة يده ، ونكالا له لما يتمتع به من أخلاق  فاضلة  ، وكارزميا ، وقدرات قيادية مذهلة ،  اخرجوا  البكري من قريتكم عرن ، فوجوده  يذّكر أبطال ( صورني ونا في المحجى)  بعقدة النقص ، ورؤيته تضايق اللصوص ، وسرّاق النضال ، والهاربين من فئة ( يارجل شلي خذاك ) والأهم  من هذا كله مرعاة لأدب الضيافة ، وعدم مضايقة ضيف عدن الكبير طارق عفاش ، فمن خوارم المرؤة أن تذّكر الضيف الذي نزل في دارك غريمه الذي هزمه ، أو أهانه ، وكأن لسان حال القائمين على أمر عدن يقول : بالعدني ( خلوه  يستاهل ) البكري النفي خارج البلاد ، أو على قولنا معشر البدو ( عرّوه يستاهل ) من ُهو قال له يقع شريف !  وهو يعلم أن الشرف قد  ُحمل مع القطع الآثرية القديمة إلى المتحف كواحد من الأخلاق الأثرية القديمة التي كانت سائدة في المجتمع ،  يبدو إن الرجل لم يوفّق حين اختار البقاء في عدن ، يوم هرب الجميع إلا من رحم ربك  ،  ولو أطال الرجل  التفكير ، وأحسن التدبير لأمتطى قاربا ، ونخر به  عباب البحر متجها إلى جيبوتي مصطحبا معه أموال الدعم التي كانت تمر عبره للمقامة  ...  المهم الولد مايعرف كيف تشتغل حمران العيوان ، لهذا روّحت الناس وخلوه جالس لنفسه ! البكري هذاقطع حبل أفكاري ، وأخرجني عن الموضوع ، لهذا قلت لكم  لايسلك الطريق التي يسلكها  الناس ؛  لهذا عاد أعضاء الحكومة وتركوه وحيدا ،   عبرة لمن  يفكر أن يكون صادقا مع هذا الشعب .

بدأت المعركة وأخذت الأصوات تتعالى ، لقلة قلية ممن لم يشربوا من بحر الجنون ، يوم غرقت عدن في بحره ، أخذ هؤلاء يرددون على استحياء - خوفا مما سينالهم من عصبة المتشنجين -  لاتكرروا مآسي الماضي ، لاتنكئوا الجراج الغائرة  ، لاترفعوا شعار يالثأرات كليب المنتنة ، عودوا إلى رشدكم ، عدن لاتحتمل ،  هؤلاء يستثمرون معاناتكم وألآمكم ، هؤلاء أعجز من أن يملكوا قرار أنفسهم ، أحذروا هؤلاء فالعقلية هي العقلية ، والخطبة هي الخطبة ، والجمعة هي الجمعة ، لكن لاحياة لمن تنادي .

لعلع الرصاص ، وقتل الأخ أخاه ،  وفارقت الأرواح البريئة أجساده  ، دون جريرة أو ثمن ، ونهبت المؤسسات العامة  ، وهتكوا وقار السكينة ، وروّعوا الأمنين ، وعطّلوا المصالح العامة والخاصة ، ثم ماذا ؟ ذهبت الحكومة إلى الرياض ، وقضى أعضاؤها فترة نقاهة ، وتركوا عدن للقوة الممسكة بالأرض ، القوة التي تسيطر على الجنوب ، التي تمثل إرادته وخياره ... سيطرت  هذه العبارات على مسامع الناس ، والبابهم ، وفعلت هذه العبارات بالعوام فعل السحر ، حتى صدقها أبو قاسم نفسه على جلالة قدرة ، والشيخ صالح الذي عصى تجربته ، وافقدت الشيخ هاني وقاره ، حتى انسته نشوة النصر الزائفة ، فتاوية السابقة  عن الوحدة ، وتحذيره من خطر الخروج على الحكام ، نسي ذلك كله ؛  كما نسي قبلها قواعد ابن بطة في الجرح والتعديل .

عادت حكومة بن دغر ، بعد أن كفّرت عتها سلوكيات الانتقالي خطاياها ، وغسلت عنها ذنوبها بالماء والثلج والبرد ، ونفضت عنها غبار الفساد كما تنفض رياح الخريف أوراق الشجر ، وهي ليست النظيفة العفيفة ، لكن حماقات الانتقالي أضفت مساحيق غطّت كل الرتوش والتجاعيد التي كانت  قبل الثامن والعشرين من يناير تغطي  وجهها  ، في حين  يصدق على المجلس الانتقالي المثل الشعبي القائل : ( العاشق الكذّاب يفرح بالتهم ) 

                       سعيد النخعي     
              عدن 14/ إبريل / 2018 م