يتحاشى الكثير من الكتاب طرح القضايا الدينية ومناقشتها خشية ردود أفعال الناعقين في كل ناد، والمنجرين وراء كل فتوى على باطلٍ أو صواب. وكي لا يواجهوا وابل من الانتقادات والتسفيه اللاذع الذي قد يرقى إلى التجريح والطعن في الدين والمعتقد. ولكنَّني أُستفز وأتألم كثيراً لممارسات وجهالة بعض من ينتمي للتيار الدينية والذي أصبح عليَّ لزاماً كما هو على كل باحث أن يناقش ظاهرة تحدث وتتجذر أمام أعيننا، ألا وهي ظاهرة الاستبداد الديني والمذهبي.
جاء الإسلام محرراً للإنسان روحاً وجسد، ولم يكن يوماً مستبداً أو غشوم. ولم تُفرض الأحكام الشرعية بدايةً بالسوط او السيف! فكيف بطاغية اليوم أن يفرض أيديولوجيا أو قانوناً على الناس وهم لهما رافضون! تساؤلات كثيرة لم يطرحها على نفسه من يريد الخلافة على منهاج النبوة، وهو يمارس دور أبي لهب في الدولة المجتمع.
لن يتحقق العدل ومبادئ المساواة عن طريق زوايا الهسهسة ومجالس القات والشعوذة، وإنما عن طريق كراسي البرلمانات وتراضي الشعوب تطبيقاً وسلوك. فمتى كان الحاكم عادلاً أميناً متسامحاً قابلاً للآخر ويعطي كل ذي حق حقه، فسوف يجد المجتمع مطواعاً راضياً ولا يحتاج إلى سوط جلاد أو سطوة سجّان!
يمر الشعب اليمني بأصعب مراحله التاريخية على الإطلاق، مرحلة تشكل الوعي،مرحلة إعادة كتابة التاريخ. مرحلة بناء النظام السياسي الاتحادي الجديد، مرحلة سقوط القوى الطاغية وصعود القوى المظلومة المطغي عليها ثقافيا وسياسياً واجتماعياً. مرحلة بروز قوى الحداثة المدنية والعلم وتقهقر القوى التقليدية والعقول المحنطة أسيرة الخرافة "سوبرستاشن" وحكاوي العجائز والعقول الضيقة.
ولن يتحقق بناء الدولة وفقاً لطموحات الشعب عن طريق متعصب بائس لحزب أو مؤمناً بحقٍ مقدس لطائفةٍ أو سلالة، حتى وإن التحق بأرقى المعاهد الدراسية والجامعات طالما وهو يودع عقله في خزانة بيته ويخرج تائهاً بدون وعي ويكتب بدون إلمام لمتغيرات العصر ومقتضيات الحياة.
ولا فرق بين ذلك البائس اليوم ومن كانوا في عهد الامامة يندفعون وراء كل ناعق إذا قيل لهم هذا المذهب أو تلك الطائفة أفرطوا في التعصب والانحلال. وإذا رأوا باطل أغمضوا أعينهم عن حقيقة الفتوى والمعتقد. ذكر الشوكاني بأن أتباع الإمامة وأشايعها خرجوا معصوبي الأعين معقودي الألسن ثائرين ضد الامام لسكوته عن العلامة محمد بن إسماعيل الأمير على إثر شائعات تحكي بأنه خالف في أرائه الفقهية أراء أهل البيت في التشيع والولاية، فعاد الامام يطمئن روعهم ويمنحهم العطايا والهبات لإخماد ثورتهم الجاهلة ملكيين كانوا أكثر منه.
فتركوا الجلاد الذي كان يهدد كل من خرج في اجتهاده على راي الهادوية وخرجوا على كل من عارض أفكاره الطائفية الجامدة. خلائق تثير الرعب والشك والانهزام في كل عصر يخرج الحزب آلافاً يسوقهم وهم لا يعلمون أين الوجهة والمغزى والاتجاه، ويدعو الطاغية للنزول إلى الميادين فينزلوا وجلودهم تشكوا لهيب السياط وبطونهم تأكلها عصارات الجوع والفاقة القاتلة.
عاش الشعب اليمني في شمال الشمال أدهاراً معتقداً ومقتنعاً بأن الامامة هبة آلهية لسلالة معينه وقف عندها الزمان ولا تدور الأرض وتمطر السماء إلا برضى الإمام. ولا تمسك المزن إلا لغضبٍ أصابه، وعاشوا عقوداً واهمين بأن صالح عفاش حكيم الزمان والمنقذ الأوحد ومن بعده الطوفان وستصير الأرض خراب ويعيش اليمن بعده في ضياع. احتشدوا واحتشد الجور من خلفهم فولى زمانه شاخصاً بآلام ملأت الأفاق وازدحمت في السماء أوجاعهم.
أما اليوم فقد داهم اليمن طوفان (المسيرة القرآنية) امتداداً لاستخدام الدين والقرآن كمظلة وأداة لقهر العباد ومصادرة عقولهم قتلاً واعتقالاً وجوعاً ومعاناةً ومرض. وكل ذلك يحدث بإسم الدين وآيات السماء ومن خالفها خالف القرآن واستحق العقاب!
يُمارس الإستبداد الديني في المذهب والحزب والتيار والطائفة ويمارسه العديد ممن ينتمون للحركات الإسلامية المتشددة. ويُعد ذلك منافياً تماماً لما جاءت به تعاليم الدين الحنيف الذي يحث على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. ولكنَّ الظاهر أنَّ هؤلاء لا يدركون حقاً مقاصد النصوص الشرعيه أو يتعمدون القفز عليها، بدعاوى تطبيق أحكام الدين وشرائعه تساوقاً مع إرادة السلطة وتثبيت أركانها