سنوات من الحقن بالكراهية وزرع الأحقاد والتعامل بعنصرية مع الأخر كانت كفيلة لتعفن نفوس الأفراد والمجتمع وتصل بعدن لما وصلت إليه ,حذرنا كثيرا من التمادي في تمزيق الأواصر , وإنعاش الأحقاد والضغائن , وإشعال روح الانتقام ,ورداءة العلاقات , و عدن ساحة لكل ذلك , لتفقد أيقونة التعايش والتسامح , و وظيفتها التنويرية , وموقعها الاستراتيجي كمركز تجاري وشريان اقتصادي , عليها أن تكون قبلة للزائرين فاتحه ذراعيها للجميع , حرة تلفظ القيود السياسية المصطنعة وأطماع الاحتكار .
عدن اليوم في أسوأ حالتها , في تاريخها لم يحدث هذا الكم من الجرائم وهذا الانفلات الأمني , والإفلات من العقاب , وأسوأ من ذلك ?و الانقسام والخلافات والانحطاط الذي افقد الدولة هيبتها والقانون والنظام فعاليتهما .
حربا تفرض واقعها , صراعات سلبية وانقسام حاد , أفرزت قوة تتمثّل في أن المستفيدين من استمرارها يدافعون عنها بضراوة لحماية مصالحهم الضيقة التي اكتسبوها والفوضى التي تتيح لهم تصدر المشهد , وعليهم احتواء عدن , فيها ترعرعت الحركة الوطنية وتصلب عودها , ومنها انتشرت ولازالت عدن حضنها وتعز خلفيتها , معا يشكلان حصن متين لحماية القيم والمبادئ التي تتعرض اليوم للتكسير والتشويه والتحوير, لحماية منظومة الحكم وسياسات الاستبداد المرفوضة شعبيا وترفضها عدن , وها هم يعودون لعدن لتكن قلعتهم في حراسة فسادهم واستبدادهم وأطماعهم .
كل ما يحدث من اتهامات بين الرؤى المختلفة الذي وصل حد التكفير والطعن في الوطنية والشرف والكرامة , يدفع نحو العنف , هي قوى العنف و وهم الحسم بالبندقية , تصدر العنف يسقط القيم , و واقع عدن اليوم البائس يفتقد للحرية والعدالة والديمقراطية و وحدة الصف والتسامح والتعايش , التي صارت مجرد شعارات للاستثمار وسحر العواطف والأحلام والطموحات .
هذا ما جعل عدن مخزن ضخم للسلاح , ومدينة لحشد المسلحين والقادمون إليها من الطوق القريب والبعيد , اليوم عدن تكتظ بالأطقم العسكرية , ومسلحي ميري ومدني وقبلي , وقليلا من هوية الدولة , بمعظمهم جماعات تتبع أمراء حرب ومليشيات , تحكمها المصالح , ونعيش في عدن رعب اشتباكات تضارب المصالح , وتقاسم النفوذ والنصيب , هذه الصورة البارزة , وما خفي كان أعظم , احتكار للمنابر والمساجد والوظيفة والمؤسسات , لوبي اجتمع فيه كل شرور الماضي والحاضر , والاغتيالات كفيلة بتصفية ما تبقى وتجريف المجتمع من الأخر المختلف والمعارض , بكل الوسائل القذرة , وكل حادثة قتل واغتيال واغتصاب في عدن خلفها فكر وعقيدة وتوجه ومريض لا يقبل الأخر والتعايش ويرفض التسامح ويهيئ الساحة للمستبد الناشئ .
منذ الاستقلال وانتشر أبناء هذه المدينة المعطاة في كل ربوع اليمن في جباله وصحاريه وجزره وهم يحملون القلم والكتاب لتنوير العقول كمدرسين , وتأهيل المناطق كمهندسين , وتطبيب الجراح ومحاربة الوباء كأطباء , انتشلوا البلد من واقع لواقع أخر وتغيرت معالم كثيرا من مناطق الريف , وتأهل أبنائها اليوم , فهل تستحق منكم عدن هذا العبث ؟!
مطلبنا اليوم في عدن دولة بشخصيتها الاعتبارية نتعامل معها نخاطبها وتخاطبنا , هي المسئولة أماما الله وأمامنا في تفعيل النظام والقوانين النافذة .
دولة تتوحد كل التشكيلات العسكرية تحت إطارها بهوية وعقيدة وطنية هي من تحارب الإرهاب والجريمة في محورين فكري وعسكري , وتسعى لدمج الشواذ للمجتمع المدني وإصلاح ما خربته الحرب وحالة الانتقام .
دولة تمنع حمل السلاح والتجول به في المدن وعدن , ومنع ارتداء الميري خارج إطار المهام , وتحمي المواطن وتحفظ الحقوق .
دولة تنفذ القانون على كبار المسئولين قبل صغار القوم , فيها يخجل المخطئ والمقصر والفاشل من الشعب ويقدم استقالته قبل إقالته , لا تحميه طائفة ولا منطقة ولا حزب ولا نفوذ ولا تعصب جاهل ومتخلف .
نريد دولة تضبط إيقاع الحياة وتفعل النظام والقانون والقضاء والنيابة , وتقدم كل المجرمين للعدالة ,محاكمات عادلة تنصف الضحايا والقصاص بحق كل مرتكبي هذه الجرائم , وإفراغ السجون من الأبرياء والمشتبه بهم , دولة برأس واحد يتحمل المسئولية محاسب أمام الله وأمام الشعب والقانون .
احمد ناصر حميدان