زمان كانت لنا أيام!!(4)

2018/05/23 الساعة 07:56 مساءً


.....................................
                   سالم الفراص
......................................


زمان كانت لنا ايام يهتم فيها بعضنا ببعض، نتفاعل إما سلباً وإما إيجاباً.. نقيم الأمور بعيون ومواقف وآراء محايدة، نُغلّط فيها من يرتكب الغلط.. ونقف إلى جانب من يقع عليه الغلط بغض النظر عمن هو أو من أين أتى، وما موقعه.. لا نكتم الشهادة ولا نتعمد مواراتها بل نعمل على ان نشهرها ونبوح بها بمجرد طلبها منا. لا نتعذر بانشغال أو مرض أو ظروف ملتمسين الأعذار لأنفسنا.
لذلك كانت نسب ارتكاب المظالم والتباهي بها وتعمد الإقدام عليها قليلة جداً إن لم تكن معدومة، فعلى أي كان أن يفكر ألف مرة قبل أن يتبلطج أو يرتكب أذى بحق أحد، لأنه لن يجد من يسانده أو يغض الطرف عما يُقدم عليه، هذا إن لم يجد نفسه خصماً للجميع.
أما اليوم فلا نجد أحداً يكترث لغيره، ونادراً ما نجد أحداً يقول رأيه جهاراً.. نفضل العمى والصمم وربما الخرس، لكي ندعم ونقوي من مواقفنا السلبية، لا بل قد نصل إلى غض الطرف عن مشهد مُخزٍ أو مجحف أو ظالم يحصل أمامنا حتى لا يصيبنا مكروه أو نكسب عداوة نحن في غنى عنها، متحججين بغياب الأمن وحالة التسيب المستشرية، حتى أصبحنا نصحو وننام على كثير من الفواجع والتعديات وهتك العرض والشرف، دون أن ندرك أو نعترف بأننا واحد من أهم الأسباب في تنامي وتوسع رقعة هذه المخالفات، وأحد المتسببين بأذى أنفسنا وأولادنا من بعدنا، وأمسينا إحدى عِبَر المثل الذي يقول (إذا حلقوا لجارك بُل).
نكتم الشهادة ونتحاشى مواقف الإدلاء بها، ونفر من أمام من قد يحتاج لنجدتنا وعوننا، ندعي الوفاء ونمارس الغدر، نظهر المحبة ونبطن البغض.. نجاهر بحبنا للآخرين وفي أعماقنا نتمنى لهم مزيداً من المعاناة والقهر.
زمان كانت لنا أيام الجار يتفقد جاره، يسأل عنه، يطمئن على أحواله، إذا غاب عن أعيننا فلان أو علان، تنادينا نبحث عنه نستعلم عنه أهله وأقرانه، إذا كان مريضاً عُدناه، لا تثنينا الأعذار ولا يبطل همتنا سوء الأحوال، الكلمة الطيبة تكفي، والصادقة تشفي، والبسمة ترفع عن النفوس الغمة، أبوابنا لبعضنا مفتوحة في الأفراح والأتراح نتقاسم الأعباء كي تصبح هينة وبسيطة ومقدوراً عليها.
نادراً ما يحدث أن ينهار أحدنا بسبب ضعف أو عوز أو يُتم أو موت، أو مصاب ونادراً جداً أن تجد جاراً يشكو جاره أو يتهمه بتقصير.
أما اليوم فحدث ولا حرج من مظاهر الضيق والضجر والنفور من أبسط الواجبات وأدناها كلفة ومجهوداً.
رمضان كريم
(يتبع)(5)