اشعر بغصة تكاد تقتلني للحال المزري والتفسخ السياسي والثقافي المؤدي لتفسخ أخلاقي في عدن , هذه الجوهرة المدنية والثقافية والأخلاقية إيقونة الحب والتسامح والرقي , التي تعرضت وتتعرض للعبث .
كم حذرنا , من خطورة تجريف عدن من أخيارها وزرع بذور الكراهية والبغضاء فيها , وتغذية روح الانتقام المدعومة بالتخلف , تخلف عقلي عمل على نسف قيم الثورة وأخلاق المجتمع والوعي الذي تشكل بفعل المخاض الثوري وروح التصالح والتسامح , عقلية مشبعة بحالة الانتقام الذي فرض عليها الاستبداد كوسيلة لإخضاع القوى المدنية للقبول بسياسة القطيع والتصفيق لها .
سخرنا أقلامنا لمواجهة هذا العبث , نقد لبطانة السوء , والتشكيلات الطارئة مناطقية ومذهبية , وفرز المجتمع لقوى متناحرة , وتعزيز صراعات سلبية , وبرمجة الشباب بروح الانتقام واعتبار الثورة تيار جارف دون وعي لما تبقى من الدولة ومؤسسات المجتمع المدني , وتشكيل نقابات حزبية , في محاولة للسيطرة على كل شي حزبيا وسياسيا لإقصاء وتهميش الأخر , والقضاء على ما تبقى من هامش ديمقراطي , أي القضاء على الدولة والديمقراطية وأدوات التنمية السياسية , لتمكين أدوات لا دولة, أدوات الفوضى بموصفات فوضوية ومؤهلات مناطقية مذهبية , بسياسة المناكفة والصراعات السلبية , وتشويه التاريخ وسحق الهوية , وتفتيت النسيج الاجتماعي , وإفراغه من الحب والتسامح والتوافق .
سياسات عقيمة تسببت في خلل في الاختيار لبعض القيادات , مع وجود الشرفاء والمناضلين , وجدوا الجهلة والمتخلفين وأصحاب السوابق و أشخاص تجردوا من إنسانيتهم , أقرب لوحوش كاسرة , لا رحمة ولا إنسانية ولا وعي وبالتالي لا أخلاق , لا فكر يبني و يوحد , بل فكر منتقم يدمر ويمزق .
غارقون في وحل الماضي , بتصريحات وتغريد غبي , يبرر الانتهاكات والسجون السرية ويدفع للتصفيات والاغتيالات , ويقوض أدوات المحاسبة والعقاب والقضاء والنيابة , ومن بين أيديهم يفلت المجرمون ,فجوه كبيرة ولازالت تتفاقم , دليل دامغ لفشل إدارة الحياة ومسار التحول , فشل القائمين على السياسة والأمن , في حرب قذرة ضد الأخر وترسيخ مؤسسات الدولة والحفاظ على ما تبقى منها كسياسات وقيم وثقافة وتربية ومنابر إرشاد وتوجيه .
ما رأيناه , وما خفي أعظم , والذاكرة تحتفظ بوقائع استغلال السلطة والوظيفة في ممارسة الرذيلة وحمايتها , جريمة المعلى , وتسريبات في مواقع التواصل الاجتماعي , والنفوذ والسطو والعشوائي وتورط نافذين , لا ننسى حالة الاغتصاب في السجون ومعسكر الأفارقة , كل هذا دون عقاب ومحاسبة , يسمح للمرض أن يتفشى والواقع أن يتردى .
عندما وصلت الحالة لمستوى أدنى من النفوذ , بدأ القانون يأخذ مجراه , والقضاء يحاكم الجناة , مع عبث واضح في الأدلة , وبجاحة المتهمين في استباحة الأعراض , والخوف في إفلاتهم من العقاب , والغضب الشعبي اليوم يرتفع , ولن يسمح للمجرمين الإفلات من العدالة , ولن يقبل بغير القصاص في ساحة عامة , ليكونوا عبرة لغيرهم لتطهير المجتمع من هذه الوحوش والنفوس المريضة , وستصل يد العدالة لتكشف حقيقة ما خفي من جرائم لنافذين , غضب شعبي حقيقي سيرفض الوهم والشعارات الزائفة ليحمي نفسه من حاميها حراميها , ومن التفسخ الأخلاقي والثقافي والسياسي القائم اليوم , لتعود عدن أيقونة ثقافية وأخلاقية عظيمة .
احمد ناصر حميدان