الرابح الخفي من مأساة اليمن

2018/06/18 الساعة 02:50 صباحاً

 

عبدالوهاب طواف. سفير يمني سابق

بطبيعة الحال فإن الحرب تأتي بالمهالك والمعاناة والموت والآنين والفقر والخوف والجوع والجهل للناس؛ إلا أن هناك ثلة قليلة من الناس ترى في هذا الوضع الشاذ فرصة للربح والثراء السريع؛ وهؤلاء يُسَموُنَ بتجار الحروب وفاقدي الأخلاق؛ لكونهم يستغلون تلك الحروب لجني الأرباح وتعمير الدور والارصدة في البنوك. هؤلاء يقتاتون جراء معاناة الناس وآنينهم، ولدوام وضمانة تدفق الأرباح إليهم؛ يخصصون جزء من مداخيلهم الحرام وجهودهم وعلاقاتهم وتقاريرهم وأنشطتهم لصب الزيت على كل نقطة مشتعلة تقترب من الإخماد؛ فيُأججون الحرائق ويعمقون أوارها، ويلوثوت الجراح ويخلطون الأوراق حتى تظل الحرب قائمة والجروح ملوثة والنيران مستعرة ومشتعلة؛ لأن إنتهاء الحرب سيعيدهم إلى مربع الحرمان والفقر والفاقة؛ لعدم إمتلاكهم مؤهلات بناء وتشيّيد وعِمران؛ وسيذهبون إلى الظلام.

مستفيدون آخرون نجدهم مستترون ومتوارون خلف بدلات أنيقة وربطات عنق زاهية؛ يقتاتون من الحروب والمحن؛ وللأسف يمارسون مهنة التكسب جراء آنين الناس ومعاناتهم. يمارسون التكسب تحت يافطات إنسانية كمُنقذين ومُسعفين ومُطعمين. منظمات إغاثية وحقوقية وإنسانية تنشط في الأماكن المشتعلة وبميزانيات ضخمة توجه إليهم من الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة، ومن الدول المهتمة؛ ونجد أن الشخص من إولئك يتقاضى ما بين عشرة ألاف دولار وثلاثين ألف دولار؛ إضافة للمسكن والمركب والمأكل والمشرب والتأمين على الحياة؛ وبالطبع هذه فرصة العمر لأي شخص يعمل بتلك المنظمات لينقل راتبه من ألفا دولار في ظروف السلم إلى مبالغ فلكية في ظروف الحرب؛ ولذا نرى أن جل التبرعات والأعانات والمُنح التي تُقدم وتُخصص لأغراض إنسانية وإغاثية للشعوب المنكوبة قد تحولت وذهبت إلى ميزانيات تشغيلية ومزايا ورواتب لتلك المنظمات الدولية والعاملين عليها. 

هذه تجارة مربحة ولن تتكرر كثير؛ ولذا فالكل يذهب بكل ثقله لإستغلال وإدامة ذلك الوضع الطارئ، لجني ثروات خيالية وتحقيق مكاسب شخصية على حساب دماء وآنين الناس؛ وتتحول المهمة "الإنسانية" إلى وظيفة ثابتة الدخل، ومتبلدة الشعور والتعاطف تجاه الضحايا؛ وتتحجر القلوب وتضمحل الأخلاق وتنعدم الرأفة من قلوبهم، لتتحول المسألة إلى عقد عمل لوظيفة أممية مؤقتة؛ مرموقة وعالية الدخل تتمدد بالحرب وتنكمش بالسلم، وتنزعج بمنغصات الحلول وتنتهي بالسلم السياسي أو بالإنتصار العسكري.

لو تعود الحديدة اليوم إلى سيطرة الدولة بالتأكيد ستنتفي الحاجة لوجود تلك المنظمات، وستنعدم الحاجة لطوابير القائمين عليها في تلك المنطقة، وسيرحلوا بعد يوم واحد من عودة الدولة إلى المدينة؛ ولذا نشعر بإنزعاج تلك المنظمات وقلقها من قرب تطهير الحديدة من الإرهابيين؛ ويمكن بالقدر نفسه الذي تشعر به الجماعات الإرهابية نفسها.

يجب أن نتعامل مع الأمم المتحدة ومنظماتها التي لم يسبق أن نجحت في أي موضع نزاع في العالم في تاريخها من هذه الزاوية؛ أي زاوية الربح والوظيفة العالية الدخل للقائمين عليها لا من زاوية ماهو مكتوب ومرسوم في صفحات وكتب ومجلدات مهام تلك المنظمات الأممية.

لتستمر الدولة في القيام بواجبها تجاه وأد فتنة المشروع الإمامي الإيراني بالطرق التي تراها مجدية وفعالة؛ وبالتأكيد فإن السلام سيحل وستتوقف الحرب وسيتم إنقاذ الناس وتوقيف معاناتهم الإنسانية بمجرد إنهاء سيطرة الجماعات الإرهابية على مؤسسات الدولة ومقدرات الناس وممتلكاتهم؛ وعندها لن نحتاج لأمم متحدة ومنظمات حقوقية وإغاثية وجيش من المنتفعين والناشطين والإعلاميين.

لندن 
17 يونيو 2018م.