"
موسى المقطري
تمكنت القوات المسلحة اليمنية المدعومة من التحالف العربي من تحقيق انجازات عسكرية في معركة الساحل الغربي ابتداءً من باب المندب وصولاً إلى مطار الحديدة ، وسبقتها انجازات عسكرية في معركة تعز شملت طرد المليشيات من أغلب مديريات ومدن المحافظة ، وفتح الحصار بشكل جزئي من الجهة الجنوبية الغربية عن سكان المدينة ، ولازالت القوات في تعز محافِظة على انجازاتها ، وتحقق المزيد يوماً بعد يوم في معركة غير متكافئة ، وجبهات مترامية الأطراف في المدينة وأريافها ، إلا أن حلم التحرير الشامل والناجز لمحافظة تعز لم يتحقق بعد .
بالنظر لعوامل تفوق قواتنا المسلحة في الساحل فإن الأنظار تلتفت تلقائياً لأسباب بينة يمكن استقرائها ، ويجب تعميمها على كل الجبهات لتحقيق النصر الكامل على المليشيات الإنقلابية ، واستعادة ما تبقى من الوطن المسلوب ، وخاصة في معركة شركاء الساحل .
في معركة الساحل وبجانب العقيدة القتالية العالية للمقاتلين فإن عدة عوامل مثلت بعد توفيق الله أسباباً لرجحان الكفة لقواتنا المسلحة ، وأهمها التسليح القوي والنوعي ، والدعم اللوجستي الكبير للمقاتلين، والتدريب العالي ، ووحدة القرار والسيطرث ، وعوامل أخرى متفرقة منها طبيعة أرض المعركة المنبسطة التي توفر للقوات سرعة الحركة وعدم الوقوع في الكمائن التي تؤتي أكلها في معارك الجبال والمدن ، ويحسب للتحالف العربي إمداده بسخاء لهذه الألوية بهذا الكم والكيف من الأسلحة .
وسأكتفي بالحديث عن بعض العوامل الرئيسة لهذا التفوق العسكري الذي نفرح به ونعتبره مصدر فخر للقوات المسلحة .
في المقابل سابحث بتحري ودقة عن توفر هذه العوامل في معركة تعز ، لتكون الصورة كاملة ، ولتتضح الصورة كنت قد خضت نقاشات عدة مع عدد من العسكريين والسياسين والمهتمين بالتطورات القائمة .
اولاً : التغطية الجوية للمعارك :
كانت العمليات الجوية حاضرة وبشكل مرافق وبتنسيق كامل مع العمليات العسكرية على الأرض سواءً بطائرات الـ F بانواعها وتقنياتها ، وطائرات الأباتشي التي يعد وجودها أهم العوامل الجوية لتقدم القوات على الأرض ، إذ بإمكانها تمشيط مواقع المليشيات وضرب آلياتاهم ومراكز عملياتهم بشكل متزامن مع المعارك على الأرض ، وحتى ضرب الأغراض الفردية أو الأغراض المتحركة ، وهذا النوع من الطيران وجميع أنواع "الهيل" لم تشارك في معارك تعز حتى الان .
من اللافت والجميل في العمليات الجوية في الساحل انها تتم وفق أوامر مركز القيادة والسيطرة المرافق للعمليات العسكرية ، ولذا لم يحدث أن يقصف الطيران أي مواقع تتبع القوات المسلحة عن طريق الخطا الذي تكرر في معارك تعز للأسف .
في تعز تكرر هدا الخطأ ، ويسببه في الغالب عدم ربط العمليات الجوية بتحرك القوات على الأرض ، وإنما يتم عن طريق ارسال الاحداثيات للطيران عبر سلسلة معقدة وطويلة من الإجراءات والجهات ، وبالتالي تتأخر الاستجابة لها ، فيما يكون الواقع على ارض المعركة قد تغير ، فإما تكون مواقع الجيش الجديدة أهدافاً للقصف وفقاً للإحداثيات القديمة ، أو يتم تسريبها أو توقعها وبالتالي تقوم المليشيات بإخلاء المواقع المستهدفة ، كما أن الطيران في تعز حال طلبه قد يأتي وقد لا يأتي ، وقد تكرر هذا كثيرا ، وفي حال الاستجابة قد يضرب الأهداف المرفوعة أو أهداف أخرى بديلة ، وقد تكون الضربات في الجبهة المشتعلة وأحياناً في جبهة أخرى بعيدة رفعت مسبقا ، وقد تكون الإصابات دقيقة وقد تكون غير ذلك .
في كل المعارك التي خاضتها القوات المسلحة في تعز لم يتكمن القادة فيها من اقناع التحالف باشراك طائرات الاباتشي المتطورة ، ورغم أن العمليات الجوية حققت انجازات عديدة في ضرب مواقع واسلحة الانقلابين في تعز إلا أن التحالف لم يوفر لقادة المعارك القدرة على التنسيق المباشر والمرافق للعمليات العسكرية على الأرض ، وبالتالي ظهرت عدة اشكالات في إدارة المعركة ..
ومن البديهي أن التنسيق الكامل للعمليات الجوية مع عمليات الأرض يحقق القدرة على قصف الأليات العسكرية المتحركة للمليشيات أثناء توجهها لموقع المعركة للدعم والتعزيز والإسناد ، وهذا ما لا يتوفر في حال غياب التنسيق المباشر مع العسكريين في الأرض ، وتتمكن المليشيات بشكل مستمر من تعزيز مواقعها بالأفراد والأسلحة والأليات .
التسليح والدعم اللوجستي :
تمتلك القوات المسلحة المشاركة في معركة الساحل تسليح قوي ومتطور ومتوفر بشكل كبير مقارنة باسلحة الانقلابيين كماً ونوعاً .
يشمل التسليح المدرعات والدبابات والعربات المدرعة والمدافع المتحركة طويلة وقصيرة المدى ، والمدافع العملاقة التي تعمل بمنظومة إلكترونية ، وكاسحات الألغام، والبطاريات ومضادة الصواريخ البالستية ، ورصد لمواقع المليشيات عبر الطائرات ، واحدث اجهزة الاتصالات والإشارة .
ويشمل الدعم اللوجستي طواقم وسيارات الاسعاف والمستشفيات الميدانية ، وتأمين التغدية والمياه ، والعديد من الاطقم المسلحة ، وتوفر الرواتب للافراد بشكل منتظم ، والمصاريف اليومية ، وخدمات العلاج في الداخل والخارج ، وتوفير الخدمات للمناطق المحررة ، والعديد من الخدمات التي تحقق لقواتنا المسلحة التفوق ، وانجاز المهام العسكرية .
في المقابل تمتلك تعز قوة بشرية تفتقر للتسليح والدعم اللوجستي ، ورغم ما قام ويقوم به التحالف العربي من دعم هذه القوات إلا أن الدعم العسكري يقع تحت سقف محدود لايحقق لهذه القوات التفوق ، وعلى سبيل المثال فتعز تفتقر للمدرعات العسكرية ، وثمة مدرعات اقل من أصابع اليد الواحدة سلمت بشكل مباشر من التحالف لغير القائمين على إدارة المعارك في المحور العسكري والآلية التابعة له ، ولم يبادر التحالف حتى الأن بمد تعز بدبابة ، ولو واحدة يتيمة! ، او مدفع متطور ، أو كاسحة ألغام ، أو عربة مدولبة ، أو حتى بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة أو بالذخائر بكميات كافية، فيما تواجه الالوية صعوبات في توفير التغذية أو الوقود وتجهيز مقرات عسكرية لإلزام الأفراد بالتمام ، واستلام المهام بشكل منتظم ، ويعاني الإفراد من عدم انتظام الرواتب ، وسقوط الأسماء ، والكثير من الإشكاليات المفتعلة كل مرة ، ويعاني كثير من الجرحى من الاهمال ، أو التأخر عن معالجتهم حتى تتطور الحالات بشكل سلبي ، وتعاني أسر الشهداء من عدم صرف مستحقات الدفن ، أو دعم الجرحى أسوة ببقية المحاور والجبهات على مستوى الجمهورية .
ومع أن التحالف العربي بذل ويبذل جهوداً في هذا المجال ، لكن التفوق العسكري يظل مرهوناً بإصلاح الخلل بكل جوانبه ، ومعالجة الاشكالات بشكل كامل بالتنسيق مع القيادات العسكرية الرسمية بعيداً عن العمل مع الكيانات او التشكيلات بشكل منفرد .
ثانياً : وحدة القيادة والسيطرة :
تتحرك القوات المسلحة في الساحل تحت قيادة واحدة توجه سير المعركة ، وتتخذ القرارت العسكرية الملائمة وفقاً للمعطيات على الأرض ، وبالتالي فإن وحدة الأمر والحركة يوفران للقوات تحقيق الأهدف بأقل الخسائر ، كما يوفران ضمان الحفاظ على الانجازات العسكرية ، وهذا ما يعد بيناً في معركة الساحل الغربي .
في تعز تتواجد ألوية عسكرية عدة كلها تم انشائها بدعم التحالف العربي ومن البديهي أن يلزم التحالف جميع هذه الأولوية بالخضوع لجهة عسكرية واحدة تمتلك القرارات المتعلقة بانجاز المهام العسكرية ، وتحدد خرائط الانتشار ، وطبيعة المهام ، ومن البديهي كذلك ان تكون قيادة المحور هي هذه الجهة ، لكن الواقع لم يكن كذلك ، والتحالف لم يحرك ساكنا لتجاوز هذا الإشكال بعد ، بل كان هو وراء هذا الأشكال في كثير من الأحيان .
كما تتواجد في المحافظة ألوية مسلحة ومجهزة وذات قوة بشرية ضخمة لم يسبق لأي لواء في اليمن إمتلاكها ، لكنها لاتتبع المحور ولاتأتمر بأمره العسكري ! وأقامت الدنيا ولم تقعدها لأجل ان لايكون للمحور أي رقابة عسكرية أو إدارية أو مالية عليها ، كما توجد كتائب لها قادة متهمون ضمن قوائم داعمي الأرهاب العالمي ، وتشمل هذه التشكيلات متهمين بقضايا أمن الدولة ، وتدمير ونهب مقدراتها ، وتقويض بسط نفوذها ، وتنفيذ عمليات أغتيالات بحق أفراد الجيش ، كما يوجد في تعز أسلحة وأليات تم تسليمها من التحالف لمجاميع وافراد بشكل مباشر ، وهم يعتبرونها أملاك شخصية أو فئوية تعرفها جيدا الشوارع المحررة ، وتفتقدها أراضي المعارك ، وثالثة الأثافي سلطة محلية تعتبر القرار العسكري ضمن مهامها المدنية للاسف !! ، وحتى لا نبحث كثيراً عن المعالجات فإنه بإمكان التحالف وحده إزالة هذه المعضلات جميعها ، وإلزام جميع الألوية والتشكيلات بالخضوع لقرار عسكري واحد ، وهم كانوا كذلك منذ بداية المعركة في تعز ، ثم تدخلت جهات متشابكة اوكلت للبعض أدواراً يلعبها خارج اطار وحدث القرار والاجماع الذي يجب أن يكون .
* * *
في المجمل فإن استعادة اليمن كلها من ايدي مليشيات الانقلاب واستعادة الاسلحة التي نهبتها ، وإزالة أي مصادر لتهديد دول الجوار هو واجب كل يمني عسكرياً كان أو مدنياً ، وما يتحقق في الساحل الغربي يثلج الصدر ، ويعيد لنا الثقة بقواتنا المسلحة ، ويعزز التعاون والثقة مع الاشقاء في دول التحالف العربي ، ويجعلنا نتمنى من قلوبنا أن يحظى الجيش سواءً في تعز ، أو في بقية الجبهات الأخرى بنفس القدر من الدعم ، أو ما يقاربه لنحقق الخلاص التام .
دمتم سالمين ..