العباهلة مصطلح ملوكي يوازي مصطلح أقيال في أزمنة التبابعة الأولى والوسطى.
وقد ظهر مصطلح عباهلة في أواخر عصر الدويلات اليمنية في القرن الميلادي الأول بالتزامن مع نشوء دولة ذي معاهر الحميرية في حضرموت، وهي الدولة التي ورثت مملكة قتبان وأوسان وأسست لاحقا لدولة تبابعة حمير الاتحادية التي استمرت حتى وفاة الملك سيف بن ذي يزن590م، ويتضح من النقوش أن العباهلة هم كبار الحكام في الدولة الحضرية الوسطى في عهد بني معاهر، وفيهم
يقول نشوان الحميري:
وعباهل من حضرموت من بني أحماد والأشبا وآل صباح.
والغر من جدن وأبنا مرة وبني شبيب والأولى من شاح.
وقال ايضا: (العباهلة هم الملوك الذين أقروا على ملكهم لا يزالون عنه، وذو أحماد وذو جدن بطنان هما من جمهور ولد الحارث بن حضرموت بن سبأ الأصغر... وكذلك شبا بن الحارث ومرة ابن حضرموت وفيه العدد وشبيب بن حضرموت بن سبأ). السيرة الجامعة ص183.
ويعد الملك يدع إيل ملك حضرموت 70-90م أول ملوك العباهلة الحميريين، وفيهم قال ابن خلدون: (كان في العباهلة ملوك كالتبابعة في علو الصيت ونهاية الذكر... وملك ذي عيل أي يدع إيل ذي قويعان بن مرثد بن كريب حضرموت عشر سنين ثم انتقل وحكم اليمن من صنعاء). تاريخ ابن خلدون ج2، ص76.
ويعد ملوك العباهلة امتداد لدولة حضرموت التي نشأت في 115 ق. م، وكانوا عبارة عن أقيال من الأسر المذكورة آنفا فلما آلت إليهم الملوكية عرفوا بملوك العباهلة، ولهم تقويم زمني يؤرخ لحكمهم سمي بالتقويم الأبعلى، وهو تقويم حميري يبدأ من 70م، وهو غير التقويم الحميري الذي يؤرخ لبداية دولة حضرموت الحميرية في 115ق.م.
وبداية التاريخ الأبعلى تؤرخ لدولة بني معاهر الحميرية بزعامة (معاهر ابن حسان) حليف (يدع إيل) ملك حضرموت، وهما المؤسسان الأولان لدولة العباهلة الحميريين، ومن بعدهما جاء (العزليط بن يدع إل) ملك حضرموت، ثم عميدع كرب يحمد بن معاهر الذي امتدت ملوكيته إلى أرض أكسوم من الحبشة.
ثم ملك بعده (وهب إل يحوز بن عميدع بن معاهر) 130-150م.
ثم تسنم ملوكية عرش العباهلة (لحيعة يرخم بن وهب إل يحوز) ثم (معدي كرب أسار بن معاهر) 150-199م.
ومن بعدهم ملك (العزليط الثاني) ملك حضرموت، ثم (نصر يهجمد بن معاهر) 200-235م، وكان (العزليط الثاني) أعظم ملوك العباهلة الحميريين ويسمى ذو أحماد، قال عنه ابن خلدون: (ثم ملك ذو أحماد بن بدعيل بحضرموت فأنشأ حصنه المعقرب وغزا فارس في عهد سابور ذي الأكتاف فخرب وسبى ثم قفل عائدا، وكان أول من اتخذ الحجاب من ملوك حضرموت). تاريخ ابن خلدون ج2ص87.
وقد انضمت دولة قتبان وأوسان لدولة العباهلة الحميريين في مطلع القرن الميلادي الثالث وبذلك صارت دولة الملوك العباهلة الحميريين هي المؤسس الفعلي لدولة اليزنيين التي وحدت اليمن من جديد فيما سمى بدولة ملوك تبابعة حمير المتأخرين من 290-590م.
وقد بلغت دولة العباهلة الحميريين من ذي معاهر سنى المجد في عهد الملك (نصر يهحمد بن ذي معاهر)، وكادت أن تتحد تحت حكمها كل ممالك اليمن والجزيرة ولكنه دب إليها الضعف بعد موت الملك نصر يهجمد، وخاصة في عهد الملك (نبط عم زادان) ثامن ملوك العباهلة الحميريين من بني معاهر، ومن بعده الملك (ربيعة بن نصر يهجمد) آخر ملوك دولة العباهلة الحميريين 260-290م، حيث شهد عهدهما تراجع وانحسار لدولة العباهلة، كما تدل على ذلك النقوش، النقش (يمن11) وجد على حجر وسط هجر قانية، وهو بالحروف العربية الحديثة، والنقش(يمن 12) وجد على حجر وسط قصر هجر قانية.
وورث دولة ملوك العباهلة الحميريين أقيال ذي يزن الذين غلبوا ملوك العباهلة وقاموا بتوحيد اليمن في دولة اتحادية من ثلاثة أقاليم إدارية بمجلس ملوكي موحد يكون فيه الملك هو القيل الأكبر، ويتخذ فيها القرار بشكل مؤسسي جماعي، فيما يشبه مجلس رئاسة، وصارت صنعاء هي العاصمة الاتحادية، وعرفت دولتهم بدولة التبابعة الحميريين 275-590م، وكان أغلب ملوكها من الأسرة اليزنية، عدا بعض فتراتها الوسطى والمتأخرة التي تخللها الصراع مع أقيال ذي رعين، وأقيال همدان.
وكان أول ملك من ملوك الدولة الاتحادية دولة تبابعة حمير الأخيرة هو (الملك مشان أريم ذي يزن) مؤسس الدولة اليزنية الحميرية وموحد اليمن، وملك قرابة خمسين عام.
ومن هنا يتضح أن العباهلة هم ملوك حمير في عهد دولة حضرموت الوسطى والأخيرة فيما عرف بدولة بني معاهر، وأنهم المؤسسون الحقيقيون لوحدة اليمن الاتحادية التي ظهرت في عهد دولة ملوك ذي يزن، والجامع بين العباهلة واليزنين أنهم جميعها يرجعون لأقيال ذي مشرقن من حضرموت وشبوه، غير أن أقيال ذي يزن انتقلوا قبل ملوكيتهم إلى أبين وأسوا فيها قصر الأقيلة، وهو القصر الذي انطلقوا منه في حكمهم، ثم تغلبوا على ملوك العباهلة ووحدوا اليمن، ونقلوا عاصمة الحكم من مدينة عبدان بشبوه التي كانت عاصمة دولة العباهلة إلى صنعاء لتصبح صنعاء عاصمة دولة تبابعة حمير الاتحادية من أقيال ذي يزن.
أما (عبهلة بن غوث العنسي) فهو على تباعد فترته وانقطاع عهده عن عهد دولة العباهلة من بني معاهر، يعد أخر الملوك العباهلة الذين حاولوا استعادة المجد المسلوب بعد انهيار حكم بني يزن بمقتل (معد كرب بن سيف بن ذي يزن) على يد الفرس في صنعاء في رحبة بني الحارث غدرا في 590م، ويبدو أنه بعد مقتل معد كرب بن سيف بن ذي يزن وتسنم بإذان ومن بعده ابنه شهر بن باذان حكم اليمن بصنعاء، قد أخذته الغيرة والحمية فعزم على تخليص اليمن من الاحتلال الفارسي، وعلم أنه لن يتم له ذلك إلا بالدعوة لنفسه بالملك وحشد التأييد الشعبي، فعمد لطلب الملك مشهرا نسبه الأصيل، كونه ينتمي لأسرة العباهلة الحميريين ملوك اليمن قبل الأسرة اليزنية، التي انتهى ملكها على يد الفرس، ومن هنا أطلق على نفسه لقب عبهلة، اللقب الملوكي لملوك ذي معاهر الحميريين.
ويبدو أن قبول زرعة بن سيف بن ذي يزن بتقاسم السلطة مع بإذان وبعض أقيال اليمن قبل إسلام اليمنيين، وعودته إلى قصر أبين مكتفيا بحكم بعض قبائلها شكل الدافع الأكبر له للدعوة لنفسه بالملك، وقد بايعته أقيال اليمن قاطبة عدا بعض أقيال همدان الذين كانوا حلفاء بإذان قبل الإسلام، وقاد ثورة مسلحة لتحرير اليمن من سلطة الفرس التي تلبست ثوب الإسلام والعقيدة حرصا على بقاء سلطتها الاستعمارية، واستطاع تحقيق نصر حاسم وقتل شهر بن بإذان والسيطرة على صنعاء، غير أن جملة عوامل جعلته يخسر المعركة، منها: حساسة المرحلة، وقرب عهد اليمنيين في الإسلام، وتدثر الفرس بالعقيدة والدين وقدرتهم على استغلال العاطفة الدينية لدى اليمنيين ، حيث صوروا للعوام أن بإذان وابنه شهر من بعده هم خلفاء للإسلام الشرعيين في صنعاء، وأن عبهلة مرتد ومدع للنبوة، وغاصب لحق ليس له، وقد ركبوا له هذه التهمة العقدية كيلا تتحرر اليمن من سلطة الاحتلال الفارسي الذي كانت عناصره تزحف إلى اليمن أرتالا وفرادى منذ بداية ظهور دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى ثورة الملك عبهلة، وفي كل الأحوال يجب أن ندرك أن المسألة العقدية غير المسألة السياسية، فلا يمكن مطلقا إنكار أن ثورة عبهلة كانت ثورة وطنية بهدف تحرير اليمن من الاحتلال الفارسي، بغض النظر عن الوسائل والأساليب ومنطق الدعائية المستخدمة في تلك الثورة، غير أن ذكاء الفرس الاستعماري وثعلبتهم السياسية استطاعت إقناع الرأي العام الذي كان لا يزال حديث عهد بالإسلام بأختلاف معتقدات عبهلة عن دعوة الإسلام، في وقت لم تكن قد اتضحت رؤية المسألة الوطنية والسيادة والاحتلال الاستعماري في سياق الفكرة الجديدة، وقد بدت وجهة الصراع واضحة جلية بانتقال حكم صنعاء لفيروز الديلمي الفارسي بعد مقتل عبهلة، إذ لم تكن غضبة الفرس وتحريضهم على عبهلة وثورته من قبيل الدفاع عن العقيدة كما صوروا لليمنيين بقدر ما كانت دفاعا عن كرسي كسرى في صنعاء، وهو الأمر الذي أدركه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث عمد في خلافته إلى تنحية الفرس عم حكم صنعاء لما لمسه من صراع هوياتي بين اليمانية والفارسية.
ومن هنا فإن اقتباس بعض أفراد القومية اليمنية مصطلح عباهلة برأيي هي نفس اجتماعي لثقافة تاريخية معبرة عن ملوك العباهلة الحميريين من أقيال ذي معاهر، الدولة التي أسست لظهور دولة تبابعة حمير المسماة دولة الأسرة اليزنية.