تحذير قبل السقوط إلى الهاوية
تاريخنا نحن الجنوبيون حافل بالحماقات ؛ قتلنا وسحلنا وشتمنا كل خيّر ، وحملنا على أعناقنا الرعاع وأنصاف الرٍّجال ، ولايزال مسلسل الغباء مستمرا .
نحن أكثر شعوب الأرض استهلاكا للشعارات ، وأكثر شعب تستهويه الدعاية ، وأكثر الشعوب تطبيلا لأناس لايساوون شسع رجّال أحيانا ، والغريب في الأمر أن المطبّل يعرف حقارة من يُطبّل له ، وحقيقة من يكيل له المديح ، ويسطٍّر فيه المعلقات ، ظاهرة لن تجدها في أي بقعة من أرجاء المعمورة !
قتل الجنوبيون خِيرة رجالهم ، وتأمروا على شرفائهم ، وأقصوا كوادرهم ، وشقوا عصا الطاعة عن قادتهم المخلصين ، واستبدلوهم بالمهرجين ، ولم يسلم هؤلاء القادة المخلصون من الشتم حتى بعد موتهم، فظلت سحائب اللعنات تطاردهم إلى قبورهم ؛ لا لشيئ اقترفوه سوى أنهم شرفاء ، أقاموا سوقا لبضاعة لايستهلكها هذا الشعب ، ولا تستهويه أبدا .
شعب عقله معطل حتى إشعار آخر ، الله وحده يعلم متى سيأتي حينه وأوانه ، حتى بدأ الشك يساورني في مجيئه ، وأن انتظاره ضربا من الخرافة ، كخرافة انتظار خروج الإمام الثاني عشر عند الشيعة !
شعب لايعرف التقييم بقدر ما يحسن التَّجريف والتهديم ، يجيد التخوين ولايحسن التعظيم ، فأن خوّن خوّن الشريف ، وأن عظَّم عظَّم الرعاع .
يهدم كل مابناه بزعم التجديد ، يهوى المعاملة بالنسيئة على المعاملة نقدا ، حتى باع القادة التاريخيون وطنا بما فيه ، وكان الثمن نسيئة أيضا ، وقعت عليه القيادة التاريخية في قصاصة مكتوب على وجهها أربعة أسطر فقط ؛ لاترتقي إلى مستوى عقد إيجار شقة يضمن حقوق المؤجر والمستأجر !
خمسون عاما من التّجريف للحياة ، سُحِل القادة والعلماء والمثقفون ورجال الدين وأهل الصلاح والتقوى والتجار وأصحاب روؤس الأموال ، ليفسحوا المجال بالأمس للأبتال والسكارى ، واليوم للبناشر والجزارين - مع احترامي الشديد لأصحاب هذه المهن - الذين يحصلون على رزق أولادهم منها بكد وشرف .
لاتشتكي اليوم فنتاج اليوم ثمرة طبيعية لما صنعته أمس ، لأنك كنت مطيةً ومركبا ذلولا ؛ أمتطى ظهرك كل أرباب مشاريع الوهم الذين مروا من هنا .
تاريخنا ثورات بلا مكاسب ، فتبَّاً لثورة لم تشبع جائعًا ، ولم تكس عاريًا ، ولم ترفع الجهل عن جاهل ، فليت شعري أن معدلات الفقر والجهل والبطالة التي حققتها الثورة وصلت إلى نصف ما وصلت إليه معدلات الأيتام والأرامل .
بالأمس وجدت صديقا لي ضاحكا مستبشرا ، قائلا لي : عدن حبلى بثوة عارمة لن تبق ولن تذر ، قلت: ستلد مولودا معاقا ، ستتلاشئ أحلام أبويه بمجرد النظر إليه لأول نظرة !
يا صديقي أنا موظف مطحون مثلك ، تلاشت أحلامي كلها في الحياة ، وأصبحت كل أمالي وتطلعاتي هي راتب هزيل اتقاضاه نهاية كل شهر ، حتى إن من شدة انتظاره أصبحت أعدّ أيام الشهر يوما يوما ؛ كما تعدُّ الحامل أيام آخر شهر من شهور حملها عدا ، فلماذا تريدني استبدل موجودا بمعدوم ، وحاضر بعائب ، وواقع بحلم ، وحقيقة بوهم ؟ أتريدنا نفعل كما فعل ثوار إسقاط النظام ، وثوار إسقاط الجرعة ؟ فثورات الإسقاط أنتهت بالسقوط ، فثورة إسقاط النظام أسقطت دولة ، وثورة إسقاط الجرعة إسقطت شعبا في أتون المجاعة ، وثورتك ستسقطنا في غياهب المجهول ، ألا تسمع صيحات سلام الله على عفاش تهز أرجاء اليمن شمالا وجنوبا ؟
قل :حكومة بن دغر فاسدة من رأسها حتى أخمص قدميها، أقول لك : نعم فاسدة بنت فاسدة ، بل فاسدة حتى جدها العاشر ، قل حكومة بن دغر ينخر جسدها - المتهالك أصلا - الفساد والمحسوبية ، أقول لك نعم ، هذه أشهر صفاتها ، وأبرز مميزاتها ، قل: حكومة بن دغر حققت أكبر معدل فساد ، في توظيف أبناء المسؤولين في وظائف حساسة في الدولة ؛ أضم صوتي إلى صوتك ، وأقولها : مدوية نعم ، نعم ، بل وأزيد أنها وظفت أميين ومعاقين ، في أرقى سلك في الدولة وهو السلك الدبلوماسي ؛ وهذا لم يحصل في تاريخ حكومات العالم ! وحققت أكبر معدل في تعيينات وكلاء الوزارات ، في حين أن الوزراء أنفسهم بلا مهام ، وبلا وزارات ، فما الداعي لتعيين هذا الجيش العرمرم من الوكلاء ؟
قاطعني صديقي إذن أنت معي في اجتثاث هذه الحكومة ، وسحل قادتها ، وطرد من بقي حيا من أعضائها ، قلت لا وألف لا ، قاطعني لماذا ؟ قلت لأنك ستقطع آخر حبل يربط الناس بما بقي من الدولة (المرتبات ) ويكون مصيرنا كمصير الموظفين التابعين لحكومة الحوثي ، قال : فما العمل ، قلت : فلنتحد جميعا في الضغط سلميا على الحكومة والتحالف ، في تقويم إعوجاج الحكومة ، والحد من غطرسة التحالف ، ونقول لبن دغر وأعضاء حكومته ، كفى لقد فاحت ريحة فسادكم ، وبلغ السيل الزبا ، ونقول : بصوت واحد لقيادة التحالف والله لولا تضحياتنا لما وطأت أقدامكم شبرا واحدا في اليمن ، فإياكم واحتقار الكريم ، واحذروا غضب العزيز ، فكيف إذا كان هذا الذي تزدريه وتحتقره شعبا شجاعا كريما عزيزا ، لم يُعد لديه مايخسره ، فوالله أن طفح الكيل به لنتف ريشكم نتفا .
فلنتحد جميعا للضغط لاصلاح الحكومة، والبناء على ماهو موجود ، والضغط على التحالف من خلال التعامل الندي ، وتماهي المصالح ، باعتباره سببا رئيسيا فيما وصلنا إليه ، وإبراز معاناتنا ، وإظهارها للرأي العالمي ، والمنظمات الحقوقية العالمية ... أظن ذلك خير وأبقى لنا جميعا
يجب أن نُسخٍّر جهودنا فيما يخدم مصالحنا الأنية ، ونترك المعارك السياسية والإعلامية الجوفاء ، حول مشروع الوحدة أو الانفصال ، و شكل الدولة أمركزية أم فيدرالية ؟ لأن الإنسان السوي لايبدأ بلبس عمامته قبل أن يستر عورته ، وأقول : للوحدويين والانفصاليين ؛ لاهادي وحكومته ، ولا الزبيدي ومجلسه، ولا الإمارات ولا المملكة ، من يحدد بقاء اليمن موحدا ، أو منفصلا ، من يحدد ذلك هي مصالح الدول المتحكمة بالسياسة العالمية ، أفما آن الأوان أن نستعمل عقولنا المعطلة ؟ ونوحد جهودنا المبعثرة ، ونتفق على ماينفعنا، ونبتعد عما يفرقنا ، ونأخذ العبرة ممن ثاروا قبلنا ، لأن بمحاولتكم إسقاط الحكومة ، ستقدمون للتحالف الذريعة للتخلي عنكم ، وتخلون مسؤوليته تجاه ما أوصلنا إليه ... فإذا مضى الناس في اتباع باعة الوهم ، وتجار الشعارات ، فابشروا بصومال ثانٍ ، وسيتركنا العالم كما ترك الصومال منذ ثلاثة عقود من الزمن .
سعيد النخعي
القاهرة 7/أغسطس/2018م