وقفةمع ما جاء في مقابلة حيدر العطاس
إن ما تسمي نفسها بالقيادة التاريخيّة لم تستوعب اللحظة، ومازالت تطيل النواح على أطلال الماضي، ماضٍ فرطت فيه عن رضىً وقناعة، حين وجدت نفسها فيه، وتبرأت منه، وانسلخت من تبعات أفعالها حين تم إخراجها عنوة منه وهذه الحقيقة التي غابت عن السيد العطاس وغيره، ممن تساقطت دموعهم فرحاً وهم يشاهدون علم اليمن الديمقراطي يهوي إلى الأرض.
أدهى من الجهل علم يطمئن إلى
أنصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا
لم يستوعب العطاس ولا جيله اللحظة التاريخية، ولم يتعلموا من عمرهم الطويل، ولم توقظهم المصائب والرزايا والخطايا التي اقترفوها في حق الجنوب أرضاً وإنساناً .
تكلم العطاس عن اتفاقية الوحدة، ووثيقة العهد والاتفاق، والحوار الوطني، وتمثيل الجنوب في أي مفاوضات قادمة، وحلق الرجل في فضاء الأماني والأحلام الوردية، هي ذات الأماني والأحلام التي كانوا يحدثوننا عنها ونحن صغاراً ولم نكن نفهم كثيراً مما كانوا يحدثوننا به.
تحدث العطاس عن غدر عفاش بالوحدة، ونسي أن الأصل الذي بنيت عليها كان قائما على تبييت الخيانة التي كان يبيتها كل طرف للآخر ، في معركة حسمها عفاش ببراعة واقتدار، في حين كان العطاس ورفاقه مشغولين بترتيب وضعهم في صنعاء، التي انطلق فيها الرفاق، محلّقين في عالم الفلل الفارهة، والمراكب الجميلة، وحياة الأبهة والترف؛ لأنهم كانوا بارعين في فرض شروطهم التفاوضيه في ماهو شخصي، وليتهم كانوا كذلك فيما هو وطني.
تحدث العطاس عن وثيقة العهد والاتفاق، ونسي أن الزمان قد دار دورته، وفرض معطيات جديدة، وقوى جديدة، ونخباً جديدة، لا تتحدث عن التراث، لأنها تحب النقد وتكره النسيئة.
تحدّث العطاس عن الحوار الوطني، الذي قاطعته الديناصورات القديمة، ولايزال الجميع يتذكر ما تعرض له المناضل محمد علي أحمد من تخوين، وشتم، وإحرق أتباعهم صوره في شارع المعلا، فلما أصبح هذا الحوار نفسه من الماضي بكى العطاس عليه، لأن هذا النوع من الساسة لا يحسن سوى البكاء على الأطلال، كالفلاح الذي يبذر بعد أن تنتهي عدة أيام المواسم .
تحدث العطاس عن ضرورة توحيد الصف الجنوبي، تحت قيادة واحدة، ويعني بذلك تحت قيادته، في حين لن يقبل بالانضمام إلى أي مكون سياسي ما لم يكن هو على رأسه، وهذا حال كل الديناصورات القديمة التي مازالت تحن للماضي، وتحلم بالعودة إلى الحكم.
مشكلة ما تسمي نفسها بالقيادة التاريخيَّة أنها لم تستوعب اللحظة التاريخيَّة، ولا متغيراتها على الواقع، بسبب الهوة التي بينها وبين الجيل الحاضر بحكم سنها، وبعدها عن الواقع الجنوبي وتعقيداته المختلفة، فعمر الجيل كما يقول ابن خلدون 33سنة ، أي أن الجيل الذي نشأ خلال هذه الفترة يصبح هو المتحكم بمجريات الأحداث على الأرض، فيختار الجيل قيادته من أوساطه، ويحدد أهدافه وفقاً لما تمليه عليه مصالحه، وليس ما تمليه عليه مصالح القائد أو الزعيم التاريخي الذي فتح له كوة في إحدى العواصم يستلم منها مخصصاته الشهرية باسم الجنوب الذي لم تعفر أقدامهم بترابه، ولا يعرفه أبناؤهم، الذين تقشعر أجسادهم إذا ذكرت لهم العودة إليه.
سعيد النخعي
القاهرة 7/سبتمبر/2018م