عمار بن ناشر العريقي
#لاتخفى الظروف الصعبة التي يعانيها المغتربون اليمانيون بسبب ظروف الحرب العسكرية التي تمر بها بلادنا اليمنية الحبيبة، الأمر الذي ترتبت عليه آثار سيئةو أزمات مختلفة مالية و سياسية وأمنية ونفسية وغيرها، حيث لايخفى مايجري للبلاد من تدمير لكل مقومات الحياة الضرورية ومايجري للأبرياء من التعرض للقتل والخوف والتشريد والفقر والأسر والقهر.
#والاغتراب، و هو بمعنى النزوح والتشريد عن الوطن والمال والأهل، هو أحد هذه الآثار المؤلمة التي اضطر لها الملايين بسبب هذه الظروف.
#والمغترب سواء كان اغترابه نزوحاعن بلاده طلبا لتحصيل القوت أو الامن الضروريين أو خوفا.. فرارا بالنفس والدين ومن بطش الظالمين، ولايخفى مايتجرعه المغترب حال الغربة من مشاق الوحشة والهم والكربة؛ لمفارقته القسرية لوطنه حيث ومحبة الوطن فطرة إنسانية تجري في الإنسان مجرى الدم في العروق، ولعل من أجمل ماقيل في حبِّ الأوطان قول ابن الرومي :
"وحبَّبَ أوطانَ الرجالِ إليهمُ
مآربُ قضاها الشبابُ هنالكَا
إذا ذكروا أوطانَهم ذكرتهمُ
عهودَ الصِّبا فيها فحنّوا لذلكا".
وللشهيد الزبيري رحمه الله قصيدة مؤثرة معبرة :(الحنين إلى الوطن)أنشدها من منفاه يقول فيما يقول فيها:
"ذكرياتٌ فاحتْ بريَّا الجنانِ
فسَبَتْ خاطري وهزَّتْ كياني
عمرٌ في دقيقةٍ مستعادٌ
ودهورٌ مُطلّة في ثواني
آه ويحَ الغريبِ ماذا يقاسي
من عذابِ النّوَى وماذا يعاني
ليس في الأرضِ للغريبِ سوى الدمعِ
ولا في السماء غيرٌ الأماني".
#ولذلك فقد اعتبر الشرع نزوح المرء عن الوطن من اعظم الفتن والمحن ،فلم يكن أمر الله تعالى للمسلمين بالهجرة من مكة في سبيل الله وبيان تعظيمها وجزيل ثوابها إلا جزاءً وفاقا لما يجده المهاجر من عناء زائد ومكابدة للشدائد {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا ? وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ ? وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ}
كما لم يكن تهديد المشركين لأنبيائهم بالطرد {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ? } أو عقوبة الشرع للزناة بالتغريب كما في الصحيحين:(البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام)، أو عقوبة قطاع الطرق المحاربين بالنفي {أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} إلا لما تشتمل عليه هذه العقوبات من عظيم الألم و المعاناة، ولذلك صح في البخاري عن عائشة (أن رسول الله دعا الله ان يحبب إليهم المدينة كما حبب إليهم مكة أو أشد، وكان ابوبكر وبلال إذا وعكا ينشد أبوبكر:
كلُ امرئ مصبحْ في أهله
والموتُ أدنى من شراك نعله.
وكان بلال يتذكر واديا بمكة وجبلين او عينين بها فيقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بوادٍ وحولي إذخرٌ وجليلُ
وهل أردنْ يوما مياهَ مجنةٍ
وهل تبدُوَنْ لي شامةٌ وطفيلُ؟!.
#وحسبنا اقتران بلاء إخراج الأبرياء من أرضهم ببلاء القتل في مواصع كثيرة منها قوله تعالى(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ )،وفي اعتبار الحديث الصحيح(من قتل دون ماله فهو شهيد)مايدل على وجوب القتال عن اوطان المسلمين لحفظ مصالحهم في الدم والعرض والاهل والدين،(وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا)؟!.
#ونظرا لما يعانيه المغترب من متاعب نفسية أليمة ومتاعب تحصيل العمل الكريم والحياة الكريمة، فإن مما يسهم في دفع هذه المتاعب #التذكيربالنصائح_التالية:
1) #ضرورة أن يعمق المغترب معاني حسن الظن بالله والإيمان به والدار الآخرة والرضا بالقدر واحتساب ثواب الهجرة والبلاء وتحصيل الكسب الحلال { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ? وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}، وذلك بتحصيل القدر الضروري من العلم والوعي ومتابعة الخطب والمحاضرات والبرامج النافعة والمفيدة والمحافظة على صلاة الجماعة وفعل الخير ولزوم الذكر والصحبة الصالحة الناصحة {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى? وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}بما يحصل له به من الطمأنينة و الرضا والقناعة.
2)#العالَم_الفسيحْ -أيها المغترب- أكبر من حصره ببلد معين في تحصيل الرزق ولو كانت أرض الحرمين والتي لاأعظم وأجمل منها،قال تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} ؟ { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} ، وبلد المسلم حيث رزقه وأمنه وكرامته، ولذلك فلقد قضى الصحابة نحبهم في مشارق الأرض ومغاربها للتجارة والجهاد وغيرهما، ونحن إذا تأملنا آيات الهجرة وجدناها تختم بحسن العاقبة للمهاجرين نحو قوله تعالى:(وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)،كمن يوسع عليه في الرزق اوينفع به في مجال التعليم،ولقد راينا من بارك الله له باستثماره في بلده ايضا.
وفي ذلك يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
"تغربْ عن الأوطانِ في طلب العلا
وسافرْ ففي الأسفارِ خمسُ فوائدِ
تفُرّجُ هَمٍّ واكتسابُ معيشةٍ
وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ".
ومن اللطيف معارضة القاضي الطرطوشي للإمام الشافعي رحمهما الله بقوله :
" تَخلّفْ عن الأسفار إن كُنت طالباً
نجاةً، ففي الأسفارِ سبعُ عوائقٍ
تَنكُّرُ إخوانٍ وفقدُ أحبةٍ
وتشتيتُ أموالٍ وخيفةُ سارقِ
وكثرةُ إيحاشٍ وقِلّةُ مؤنسٍ
وأعظمها ياصاحِ سُكنى الفنادقِ
فإن قيل في الأسفارِ كسبُ معيشةٍ
وعِلمٌ وآدابٌ وصحبةُ فائقِ
فقُل ذاك دهرٌ قد تقادم عهدُه
وأعقبهُ دهرٌ كثيرُ العوائقٍ
وهذا مَقالي والسلامُ مؤبدٌ
وجرِّب ففي التجريبِ علمُ الحقائقِ".
والحق انه لاتعارض، فقول الطرطوشي بناء على الأصل حيث لاضرورة وقول الشافعي في حال الحاجة الشديدة والضرورة فحسب،كما تختلف ظروف الناس وإمكاناتهم و ظروف الهجرةايضا،
3) #الاستعانة_بالله والتوكل عليه وتعزيز الثقة بالنفس وقوة الإرادة والتحلي بالأمل والطموح وفي الحركة بركة ، وفي الحديث : (المؤمن القوي خير وأحب آلى الله من المؤمن الضعيف..احرص على ماينفعك واستعن بالله ولاتعجز..)رواه مسلم ، فالمرء -كما يقال -حيث يضع نفسه.
"وماالمرء إلا حيث يجعل نفسَهُ
ففي صالح الأعمال نفسَك فاجعلِ".
4) #الحرص_على_تنمية مايلزم من العلاقات والخبرات والدورات والشهادات والقدرات والمهارات العلمية والعملية ، ومنها مهارات الحاسوب والمحاسبة وقيادة السيارة واللغة الإنجليزية والإدارة (احرص على ماينفعك).
فلايخفى ما قد توفره هذه المهارات من فرص عمل طيبة ورواتب مجزية{فأتْبَعَ سَبَبًا}
5) #تحرّي_الحلال والبعد عن الشبهات والمخالفات القانونية و العناية بالمظهر والمنطق واللباقة والنظافة واحترام الوقت و النظام والقانون.
ومراعاة الاعراف والعادات العامة غير المخالفة للشرع وقد قال أهل العلم إن (الجهل بالعادات من خوارم المروءات).
6) #الأولوية_للمغترب بعد المحافظة على الواجبات وترك المحرمات : التعبد لله تعالى بتقديم واجب كسب المعيشة للنفس والأسرة وعدم الاشتغال باالتعصب والثرثرة والصراع السياسي ونقد أنظمة الدولة المهاجر إليها ؛ لما في ذلك من الجدل و بما لايعنيه، إضافة إلى الجهل الغالب بملابسات السياسة ودهاليزها المظلمة، ومايترتب على ذلك أيضا من الضرر، وقد قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، ولعله يحسن هنا التذكير بالحديث الحسن :(من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه) و بالمثل المشهور : (ياغريب كن أديب).
وفي المقابل ضرورةحرص المغتربين على تحقيق الاخوة والتعاون فيمابينهم(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ).
7) #عدم_إهمال_حقوق الأهل والأصدقاء من الاتصال و التواصل اللازم، او إهمال حقوق الوالدين من البر والإحسان وحقوق ذوي القربى والأرحام من الصلة الواجبة وحقوق الزوجة والأولاد من التعليم والمتابعة،وفي الصحيحين(من سرًه أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)، وكذا حقوق الفقراء والمساكين من الصدقة وحق الدعوة من البذل للمساجد وحلقات التحفيظ ونحوها.
8) #الاقتصاد في النفقة{ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى? عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا }
9) #وأولا_وأخيرا_الدعاء { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}، فاللهم فرج همومنا واشرح صدورنا ويسر أمورنا واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء يارب العالمين.
7محرم1440