موسى المقطري
كعادتها كل عام تطل علينا ذكرى ثورة 14 اكتوبر المجيدة لتنشر عبقها على الأرجاء، فيستقبلها اليمنيون الأحرار مؤكدين السير على درب النضال الاكتوبري الذي تتوج برحيل المستعمر في 30 نوفمبر 1969م لينظم جنوب اليمن إلى شماله الذي تحرر في 26 سبتمبر .
ثورة الرابع عشر من اكتوبر هي صرخة متجددة في وجه أعداء الحرية ، ورسالة لكل من يقف في وجه نيل الشعوب حقوقها كاملة غير منقصوصة ، وأولها حقهم في إدارة بلدهم، واختيار حاكمهم ، والإستفادة من ثروات أرضهم .
يعود اكتوبر ليذكرنا كم عانى الأباء ليخلِّصوا الوطن المسلوب في يد الأستعمار الخارجي ، وفي سبيل ذلك وهبوا الوطن الغالي أرواحهم الزكية غير مبالين بما سوى التحرر ، وغير معلنين الولاء إلا لتراب الوطن الغالي الذي ارتوى بدمائهم الزكية .
المؤكد أنه لم تكن ثورة اكتوبر مصادفة إنما كانت قناعة أن زمن الاستعمار للشعوب قد ولى ، وزمن الحرية والانعتاق قد حل ، ولأجل الحرية تهون التضحيات ، وفي سبيل التحرر ترخص الأرواح ، وهي في المحصلة قصة كفاح ملهمة للأجيال ممتدة امتداد هذا الوطن الكبير أرضا وحباً ، والجميل عشقاً والنقي هواءً ، ولنا ان نفرح بهذا اليوم بانتظار أن نفرح باستكمال تحررنا من الذين أرادوا اعادتنا الى الوراء عقود ، وتمنوا سلب حريتنا التي وهبنا الله أياها لصالح السلالة المقيتة .
في ميزان النضال لافرق بين مناضل سبتمبري او اكتوبري او فبرايري فكلهم يحملون راية الحرية ، وجميعهم قدَّموا ولازالوا يقدمون الأرواح لأجل التحرر ممن يريد سلب حرية الشعب سواء جاء من أوربا، أو من كهوف مران ، وما تؤكده الوقائع ويشهد به الواقع أن اليمنيين كانوا ولازالوا شركاء في النضال الوطني ، فلم يصنِّف ثوار سبتمبر أو اكتوبر المناضلين وفق مناطقهم ، فالتعزي ناضل في عدن ، والظالعي في مارب ، واختلطت دماء الأحراء ، وتوحدت رصاصاتهم في وجه أعداء الحرية في صنعاء وعدن ، وامتدت معسكرات تدريب ثوار اكتوبر في الحوبان بتعز ، وتوارد لهم السلاح عبر البيضاء ودمت وقعطبة .
تؤكد لنا الأحداث ماضيها وتلحاضر أن تاريخنا النضالي يمتد ليشمل جهات الوطن الأربع ، وكل محطة منه لاتكاد تقتصر على نطاق جغرافي ، أو جهوي ، أو مناطقي ، وفي 14 اكتوبر 1963م كان اليمنيون يدشنون مرحلة نضالية جديدة يقارعون فيها المملكة التي لاتغيب عنها الشمس ، وبجهود جيل من المناضلين الأحرار الذين تجاوزوا حدود الجغرافيا ، وتمسكوا بارتباطات التاريخ الذي يؤصل الارتباطات العميقة في حياة اليمنيين، وبجهود كل هؤلاء غابت شمس المملكة المتحدة في جنوبنا اليمني ، فرحلت في 30 نوفمبر 1997م ، واختار اليمنيون الحرية بدلاً عن الاستعباد ، والشموخ بدلاً عن الانكسار .
إعتاد اليمنيون على الاشتراك في ملاحم النضال راضين مختارين تجمعهم هممهم العالية المتقدة ، وتتشابك أيديهم وهم يزحفون نحو الحرية ، وتمثل ثورة 14 اكتوبر 1963م محطة في رحلتنا النضالية ، وصفحة ناصعة في كتاب الكفاح الذي لازال مفتوحاً تتعاقب عليه الأجيال ، ويتشارك في رسم صفحاته اليمنيون من مختلف المشارب .
في ستينات القرن الماضي التحمت جهود المناضلين لتشكل لوحة مميزة يعجز الضعفاء عن رسمها ، ويمزج ألوانها الأقوياء ، وامتدت ملامحها لتشمل الوطن بشطريه يومئذْ ، ولأن النضال لا يعرف حدوداً ، والمناضلون لا يؤمنون بالتجزئة للوطن الواحد فقد التحم ثوار سبتمبر بثوار اكتوبر ، وساند كل فريق الأخر ، والتقى الطرفان تحت راية واحدة في ميادين مواجهة الإمامة الكهنوتية في شمال الوطن ، والاحتلال البريطاني في جنوبه .
يُجمع من عاشوا أو أرخوا أحداث ثورتي 26 سبتمبر 1962م و 14 اكتوبر 1963م ان كل ثورة كانت السند للأخرى ، فثوار سبتمبر اتخذوا من عدن مركزاً لمعارضة حكم الإمام وبدأوا من هناك يعدون العدة لاسقاطه ، واتخد ثوار 14 اكتوبر في تعز والبيضاء مواقعاً للتدريب ، ومنافذا للتموين ، ومنطلقا لمقاومة الاستعمار البريطاني ، واجمع كل فريق أن تشمل أهداف ثورته إعادة اللحمة الوطنية وانهاء التشطير المصطنع .
نحتاج اليوم الى اعادة انتاج لروح النضال الوطني الملتحم الذي تحلى به ثوار سبتمبر واكتوبر ، و إلى اعادة تقييم الخطاب الوطني وتحويله نحو النموذج الجامع ، ونحن احوج الى التخلص من لصوص الثورات الذين تسلقوا على منجزات المناضلين في شطري اليمن ثم لاحقا في دولة الوحدة ، فوصلنا الى الحال الذي نحن عليه .
لا مجال اليوم أن تعود على شعبنا الذي ناضل في سبتمبر واكتوبر الوصاية الخارجية من أي جهات الارض أتت ، سواءً استعمار الارض ، أو استعمار الفكر والقرار ، والشعب الذي ثار على الاستعمار في الجنوب والإمامة في الشمال يثور اليوم في وجه من ارادوا جعل ذواتهم أوصياء على الشعب ، وسعوا لان ترتهن البلد لمخططات أعداء اليمن والإقليم ، ولن يصمت هذا الشعب عن كل من يريد سلب حريته سواء اتخذ سفينة الشاي ، أو ادعاءات السلالة ، أو حماية كرسي العائلة ، أو جرعة الألف الريال سبيلا لياخذ حريتنا ، لن يجد من شعبنا الا رصاصا أحمرا يقلق نومه ، ويكدر عيشه ، ويجبره على التخلي عن احلامة المقيتة .
سلام عليكم ايها المناضلون الكرام اينما حللتم ، وحيثما ارتحلتم في جهات الوطن الأربع ، هاهو عبق اكتوبر المجيد يلون السماء بألوان الحرية الجميلة ، وأراح الشهداء الاكتوبرين تحلق لتحرسكم كل ذات ملمة ، والوطن يدعوكم لمزيداً من الهمة لننال حريتنا كاملة .
هنيئا ليمننا وشعبنا أعياد ثوراته سبتمبر واكتوبر ونوفمبر ، والمجد والخلود للشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل أن نعيش أحرارا لاتحتلنا دولة ، ولاتتحكم بنا أسرة ، والخزي والويل لكل مشاريع الارتهان الحديثة ، ولدعاة التمزيق ، والحالمين باستعادة الماضي البغيض .
للشاعر عبده عثمان :
كانت الساعة...
لا ادري ولكن
من بعيد شدني صوت المآذن
ذهل الصمت.. تداعت في جدار الليل ظلمة
وتمطى في دمائي حب شعب
ثم اقعى في عروقي جرح امة
واطلت عشرات الاحرف الحمراء اسراب القوافي
مدَّ بحر لا يحد
قاعه قلب ووجد
صب فيه من زوايا الامس حقد
والصدى اي حريق
ابداً لن يستريح
لم اسلها.. لم اقل: من اي غاب قد اتيت؟
اي انفاس حملت؟
كنت ادري
ما على «ردفان» يجري
كنت ادري ان اخواني واهلي..
اذرع تحتضن النور وارواح تصلي
في طريق الراية الخضراء والشمس الاسيرة
وربيع ذات يوم كان في شبه الجزيرة
ترضع الدنيا شذاه وعبيره .