أيوب طارش بيننا... روحاً ونغم

2018/10/22 الساعة 04:11 صباحاً

نحن لا نكتب حروفاً عن الفنان أيوب طارش بل ننثر الهوى في قوالب نثرية مسطورة، ولا نحاكي أيوب الجسد بل الروح واللحن والقصيدة والأغنية، نرهف السمع إلى ريشته بين أنامله تدغدغ أوتار العود بخفة الفراشة، عود يبوح بالأغنية قبل بوح الروح الأيوبية الفريدة، يرسل اللحن الذي تذوب فيه القصيدة فتسري في شرايين القلب تتجاوز تعاريج الوريد تسكن الفؤاد تلملم الأشواق كما تلملم الريش في العصف الشديد.

 
نعيش في حضرة اللحن واللون التعزي الأيوبي، الذي يتماهى مع الصوت كما تتماهى ألوان السماء في بعضها، تزينها طبقات صوته المتعددة تتداخل كزرقة البحر مع الشفق في سويعات الأصيل، تجربة عشق ايوبية فريدة يعيشها كل العشاق قديمهم وحديثهم والآتين في قادم الأيام منهم، تسكن في حشاشة كل قلب وتخالج كل الأرواح الصحيحة التي لديها وهوى.


تجربة يعيشها الشباب بكل أطيافهم، لم ينفك عن قيودها حتى الكبار النُسَاك منهم، يُخرجون شريط أغانيه القديمة والوطنية من جيوبهم خفيةً خوف الأعين، عند الخلوة بالأحبة، يضعونه في قلب الجهاز خِلسة بعيداً عن أنظار المختلفين حول حِلْ أو حرمة سماع الأغنية، يغلقون النوافذ يطفؤون الأنوار عدا الهادئة منها ويطلقون لقلوبهم عنان الرقص الوجداني الصوفي  كي تأخذ حقها في الجنون الفني المحافظ والمنضبط.

 
ما إن نستمع لأيوب في بلاد الغربة وراء البحار البعيدة حيث نعيشها عصوراً من الحزن وألواناً من أنين الُبعاد، حتى تهيم الأرواح عشقاً وشوقاً للوطن، شجن السنين ولوعة الحنين إلى مضارب الصبا، إلى الروابي والكاذي وعِذر البَرود، إلى سفوح عيبان شمسان الأشم، إلى "طائر امغرب ذي وجه سَن امتهايم، إلى البن في قاع جهران إلى عدن وألوان الهوى والفن فيها، إلى مارب الأمجاد سدها والسَبول، إلى مدينة الذُرة في لواء إب إلى تليم الحب فيها وعذر الشواجب، إلى دوادح الحب في جبال حيفان إلى دمع  الاحباب في وادي الضباب، إلى دوعن العسل، وحضرموت الدان.

 
عاش أيوبنا جلال الوطن فناً، وتلاله وجباله نشيداً، وبحره عاطفة وحنان، إذن فهو الوطن ماؤه وظله جباله غيومه والسحاب، عاش بئته تضاريسه ماؤه وهواؤه حتى أصبحت جزءً من ذاته ومشاعره، امتزجت مع فنه وأدائه الغني الوفير،  رفض العيش بعيداً عنه وكأن رئته لا تستنشق إلا الأكسجين الذي خلقه الإله خصيصاً له في اليمن، تعز التي جابها مع رفيق حياته الفنية عبدالله عبدالوهاب نعمان مقيلاً سمراً هياماً عزفاً وغناء، وعدن التي بدأ مراحل صباه الأولى فيها وأول لحن وأغنية "بالله عليك وامسافر" صدح بها منها من على شواطئها  وتحت ضل سماها فكانت أول خطوة في سِفره الفني الأصيل، عدن البحر وتعز الجبل التي ليس فيهن لفنه شواطئاً  ومراسي.

 
إنها رحلة العمر الطويل في أرض اليمن ولَّادة القامات التي نَمتْ فيها قامة أيوب الابداعية ، وارتشفت أغصان روحه من فضاءٍ زُرع الابداع فيه، فانهمرت الأغاني العاطفية والأناشيد الوطنية مطراً عليه من كل جانب، إنهُ العمر الذي إن رحل عنه صاحبه لن يشيخ، لأنه قيل بأن "الشاعر والفيلسوف وصاحب الفن طفلاً مهما كَبُر"