يموت المتقاعدين اهمالا
المتقاعدين شريحة مجتمعية قدمت عصارة جهدها وعنفوان شبابهم خدمة لهذا الوطن ومستقبل الامة , حملت على اعتاقها مرحلة البناء المؤسسي والسياسي والاقتصادي والتربوية والثقافية والاجتماعية ما بعد ثورتي سبتمبر واكتوبر , خبرات وملكات تراكمية لنصف قرن من العمل والابداع والابتكار والبناء والتعمير , بعد هذا الجهد اجهدوا , وانهكتهم الحياة والعمر , ليصلوا لمرحلة العجز , من امراض المهنة و الشيخوخة, هم اليوم في امس الحاجة للعناية والاهتمام والرعاية .
رعاية واهتمام مكفولان بالشرائع السماوية والقوانين الوضعية و الدستور ,التقاعد حق وفق الاجلين او العجز الذي يحدده قانون العمل , حق أسس من أجله صندوق للمعاشات والضمان الاجتماعي والعمل , صندوق خاص , بتموين العامل نفسه لضمان راتب تقاعدي لبقية الحياة , ليكفل له ولأسرته حياة معيشية كريمة , للإيفاء بواجباته واسرته من رعاية صحيا ونفسيا وروحيا ومعيشيا , صندوق الضمان الاجتماعي صندوق من اكبر الصناديق , تديره القوى العاملة , ولاحق للدولة او أي جهة اخرى بالتصرف في امواله او العبث في ممتلكاته واصوله ومدخراتهم المالية .
هذا في بلد الانسانية والنظام والقانون , وحينما فقد البلد هذا النظام وتلك القوانين , وزج به للعنف , برزت قوى الا انسانية , قوى عبثية متوحشة لا تضع للنظام اعتبار ولا القانون حق , بل لها قانونها , قانون النهب والسلب واللصوصية , وتعبث بكل شيء حتى بحق المتقاعدين , حقهم في ما تبقى لهم من حياة , في العلاج والرعاية والمعيشة والراتب , وتسهيل امور حياتهم بعد هذا العمر الطويل .
اليوم تشاهد مناظر الإذلال للمتقاعدين والموظفين في المناطق المحررة , أمام كل بريد وهم يفترشون الأرصفة والشوارع كالمتسولين للبحث عن راتب لا يسد رمقهم ويستر حياتهم , ويشبع جوع أبنائهم , لكنهم مضطرين للوقوف أيام وليالي في انتظار هذا الفتات , ام في الشمال فلا راتب ولا حياة لمن تنادي ,قامات وشخصيات ومناضلين وهامات علمية وفنية وثقافية , كلهم في سلة الإهمال لهذا الزمن الملعون , خدموا هذا الوطن في كل المجالات وافنوا حياتهم ولهم بصمات تذكر ومنحوتة في تاريخ البلد الثقافي والتربوي والفني والنضالي والعمالي .
نعم لديهم نقابة , تبذل كل ما بوسعها لتصل صوتهم للجهات المسئولة في هم عام للمتقاعدين في الشمال والجنوب كحد سوى , عملت وقفات احتجاجية , وبمساعدة منظمات المجتمع المدني , تطالب تحييد شريحة المتقاعدين من السياسة والعبث , واثار وتداعيات الحرب اللعينة , وعدم مساس بحقهم ومستحقاتهم .
المتقاعد هو جزء من هذا المجتمع يسري عليه ما يسري على الواقع من انهيار اقتصادي وغلاء ومعاناة , ما يحتاج الناس يحتاج المتقاعد اضعاف هذا الاحتياج , بحكم العلاج وامراض الزمن والشيخوخة , فالمادة الثالثة والستين من قانون التأمينات والمعاشات , ظالمه ومجحفة , وجب اليوم تعديلها لأنصاف المتقاعدين , في الزيادة العامة لتواكب رواتبهم الارتفاع الجنوني للأسعار .
والمسئولية الأكبر على صندوق المعاشات للمتقاعدين والضمان الاجتماعي ,يجب ان يتحرر من سلطة الدولة واذنابها ليديره المتقاعدين انفسهم , بانتخاب من الوسط النقابي والمتقاعدين , ليديروا شئونهم , ويحافظوا على ممتلكاتهم , التي تنهب اليوم في صنعاء وعدن , لإنقاذ ما يمكن انقاذه من تدهور حال الصندوق , ومشاريع الفساد الذي زج بالصندوق بها ,والمتقاعدين يفتقدون لأبسط سبل الحياة والحقوق , كمستشفى وصيدلية ومتنزه ونادي ...الخ , حتى في الحصول على إعانة علاج وقت ما يكون الفرد طريح فراش المرض يجد من يمد له يد العون والمساعدة , في البريد يموت وهو قاعد منتظر للراتب .
ما يحدث لهولا الكهول والأجساد التي أضناها الزمن وقدمت الكثير لهذا الوطن تربى وتخرج على يديها رجال اليوم واكتسبوا مهاراتهم بنقل الخبرة منهم , لعنة في جبيننا جميعا ,من يشاهد ويصمت , أو يشاهد يبرر , ومن يشاهد ويسخر , والمسئول والمعني الذي يشاهد وكان شيء لا يعنيه , ولا يحرك شيء في ضميره وإنسانيته و وطنيته , ويرفض هذا الواقع المسي ويحاول بكل ما يملك من إمكانيات وسلطات على تغييره .
احمد ناصر حميدان