بقلم : د. محمد صالح السعدي
من الخائن: الفاسد ام المختلف معك في الرأي؟
تمر المنطقة بأزمات متتالية، تتطور منها أزمات عديدة، وهي انعكاس لحال الاضطراب الثقافي في المفاهيم والمعاني لمصطلحات هي تحدد علاقات الافراد والقيادات وكيف يمكن أن نخرج من هذه الازمات بالنتائج الإيجابية، فالحراك السياسي كبير لكن في المقابل لا حراك ثقافي ينُضج الحراك السياسي والشعبي ويرتقي بمستوياته، مما سببَ حالت فوضى رعناء وارتداد داخلي في المجتمع ليُصاب بحالة صراع فكري سلبي مزق ويمزق المجتمع اشلاءً..
فأنتشرَ التخوين والتكفير في الفضاء العربي , والتي تُحِدان من سلطة العقل والقدرة على التفكير الحر , وهذا ناتج عن غياب أرضية صلبة لضمان الحريات ومبادئ الحوار السليم و النوايا الصادقة , الا أن ما ينبغي الوقوف عليه ودراستِه ومحاولة فهمِه جيداً , هو لماذا لا نعتبر الفساد خيانة ؟ , والغريب هنا , هو امتناع اعلام السلطة واعلام الشارع والأحزاب من اعتبار الفساد واصحابهِ خونه وما يمارسونهُ هو الخيانة الحقيقية للوطن , بينما لا يتمنع هذه الاعلام لهذه الجهات من وصف المخالف لهم في الرأي بصاحب الأفكار المشبوهة والارتباط بالعمالة الخارجية و الخيانة ؟ .
اليس تخريب الاقتصاد خيانة؟ اليس نهب المال العام خيانة؟ السنا في مجتمعاتنا نعتبر ان من عهدنا له بمال ونهبه, شخصاً لا يؤتمن عليه وخان الأمانة؟ فما بالنا لا نعتبر من هم في السلطة وهم فاسدون خونه؟ وهم من ينهب المال علانية ويُمَّكن الفاسد في المناصب والمراكز الحساسة في الدولة والمؤسسات؟
فليس الخيانة فقط في التجسس لصالح قوى خارجية او الانقلاب على المبادئ والاتفاقات، ولكن من يُحطم الدولة ومؤسساتها داخلياً لا يقل خيانتاً عن هؤلاء، بل هم الأخطر والأكثر تأثيراً ,فبهم تسقط الدول وتنشأ الصراعات والحروب الاهلية وينتشر الظلم وعدم تكافئ الفرص وغيرها من نتائج هي كفيلة بتحطيم كيان ومقومات الدولة، وعلى الرغم من حديث الاعلام الالكتروني عن الفساد وتفاصيلهِ ونشر وثائق واضحه عنه, الا انهُ لا أحد يصف فاعلي هذا الفساد بالخونة والخيانة ,
وباعتقادي يعود هذا الى , تبني السلطة لهذا النهج , فهي تمنع الاعلام من وصف الفساد والفاسد بالخيانة , وهو موضوع مدروس وليس مجرد جهل او غفله , اما بالنسبة للمعارضة خصوصاً الأحزاب التي نعِرفُها فهي تعاني القصور وعدم النضج والادلجة التي حصرت نفسها فيها بشكل كبير ووقعت في المحاصصة وبالتالي تورطوا بالفساد بشكل او بأخر , اما عن الشارع فالسلطة جعلت الفساد بنيوياً أي مهيكلة من اعلى الهرم الى اسفله , واصبح الشارع مشاركاً بنسبه من الفساد , وهنا تكمن اللعبة حيث لا يحب الناس ان يستخدموا مصطلح الخيانة على الفساد والفاسد لشعورهم بأنهم مارسوه , فالسلطة عملت على جعل الجميع مشاركاً بشكل او باخر ..
وفي الأخير، فان الحل يكُمن في تأسيس حالة شعبية مجتمعية على المستوى الثقافي والفكري , لأحداث حالت تغير في المفاهيم ورفع درجة الوعي والادراك وبالتالي المقاومة المجتمعية لهذه الآفات التي تضرب المجتمع وهيكل الدولة ليكون وعي الشارع اعلى وارقى وبالتالي تتلاشى وتنكمش امام ارتفاع وعي الشارع كل المفاهيم المغلوطة وهذه الآفات , وهذا دور النخب والقيادات والقوى التي يجب أن تكون هي أساس ومحرك للحالة الشعبية التوعوية ..