في ذكرى يوم بُعاث 13/يناير

2019/01/14 الساعة 02:09 صباحاً

في ذكرى يوم بُعاث 13/يناير

في ذكرى يوم بُعاث، الثالث عشر من يناير ، ذكرى آخر مخازي الرفاق الذين عاثوا في الأرض فسادًا قرابة ربع قرن من الزمان ، ملأوا الدنيا خلالها صراخًا وعويًلا،واثخنوا هذا الشعب قتلًا وتنكيلًا، حقبة اقترنت في أذهان الناس بالدماء والأشلاء، لاتزال رواسب الجلود المحترقة ، والأجساد المتفحمة عالقة في أنف كل من عاش تلك الفترة، ولاتزال مرويات المخازي، والمآسي تشنف آذان كل من شهد تلك المرحلة، ولاتزال صور جلاوزة تلك الحقبة في عيون الضحايا، ولايزال رموز ذلك العهد  وقادته عالقين في مرافئ التاريخ، ينتظرون سفن المراحل العابرة محيط الزمان ، التي تنخر عباب السنين ، والأجيال، يتحيَّنون الفرصة للوثب مرة آخرى ، لامتطاء ظهر أي مرحلة تعيدهم إلى السلطة مرة أخرى منذ أكثر من ثلاثة عقود خلت .

لم ييأس كهول العهد الماركسي البائد ، كما لم يكفُّوا عن عبث المحاولات اليائسة، لأنهم لم  يستوعبوا ثوابت التاريخ ، ولا سننة ، ولا أبجدياته، وبديهياته، التي قضت بأن  الله كتب على كل شيئ الفناء، فمحدودية عمر الإنسان تحتم عليه النزول في أوَّل محطَّة من محطَّات خريف العمر ، حتى لايأخذ زمنه وزمن غيره ! فرفض هؤلاء الديناصورات التاريخ برمته ، كما رفضوا سننه، وثوابته، وبديهياته وأبجدياته، ودروسه وعبره .

  ينظرون بعكس إتجاه سير الزمان، لأنهم يمموا وجوههم شطر الماضي ، في حين تجري سنون الزمان متدفقة بإتجاه المستقبل، ولأنهم لايجدون أنفسهم إلا في الماضي، تداعى كهولهم وشبابهم ، الكهول الذين كانوا رموزًا لهذا العهد وقادته، وشبابهم الذين يحاولون بناء مجد، رأوا أن أقصر الطرق الموصلة إليه هي استثمار أسماء أبائهم، وذويهم ، وقادتهم لاستعادة تاريخ بعض فصولة زائفة، والآخرى ملفقة !

فكان مشروعهم إحيائيًا، يقوم على دقدقة العواطف، واستغلال الحاجات،ونبش الذاكرة، والعبث بأوراق التاريخ الصفراء البالية، ونبش قبور الموتى الذين قضوا نحبهم معلقين على أعواد المشانق، أو في ساحات الإعدام، أو غياهب السجون والمعتقلات، مذكرين بمآثر، وأمجاد قادتهم، في حين أنهم حتى اللحظة لم يقدموا لهؤلاء الضحايا من القادة حتى الاعتذار ، فأي انتهازية، وأي صفاقة، وأي غباء !

وحين فرغوا من العبث بقبور وأجداث ضحاياهم، شرعوا في بناء مشروعهم الإحيائي، فأخذوا يلملمون أشتات المخازي، ويجمعون انقاض المآسي، وحطام البؤس الممزوجة بحرمان الأيتام، وأنات الأرامل  والثكالى، فجعلوا من مخلفات مآسيهم مشروعًا سياسيًا أطلقوا عليه: (التصالح والتسامح) ليضيفوا فصلًا آخرًا من فصول التلفيق والتزييف .

تصالح وتسامح قرره الجلادون وورثتهم على الضحايا، كما قرروا على الضحايا لعق المآساة نفسها، فكانت المآساة بقرار ، وعلاج آثارها بقرار أيضا، متجاوزين كل القوانيين التي أقرَّتها الشرائع السماوية، والقوانيين الوضعية، المحلية والدولية ، بل تجاوزوا حتى قانون العدالة الانتقالية الذي يقوم على جبر الضرر، بالنسبة للضحايا، وذويهم ، نتيجة لما لحق بهم من ضرر جسدي، أو مادي،أو معنوي،في أي مجتمع تعرض للحرب الأهلية، أو الصراعات العرقية، لأنها  جرائم ضد الإنسانية؛ لاتسقط في حكم القانون بالتقادم، في حين صاغ الرفاق منها  مشروعًا إحيائيًا لهم ؛ فهل رأيت غباءً ،وصفاقةً  أكثر من هذا ! 

لو طال عمر ابن الجوزي حتى يرى هؤلاء الحمقى ؛ لفاق كتابه أخبار الحمقى والمغفلين تاريخ بغداد لابن عساكر في عدد أجزائه !

              سعيد النخعي 
           13/يناير/2019م