تسنمت القبيلة اليمنية وأقيالها منذ القدم البطولات التاريخية ودورهم الريادي المفترض في الحروب، واكتنزوا معالم تأسيس الحضارات والدول اليمنية والعربية القديمة إلى عهدٍ قريب، بدءًا من جنوب شبه الجزير العربية مرورًا بعُمان وانطلاقًا صوب الشمال العراق وأعالي الشام الأراضي التي نزح إليها اليمنيون في حِقب تاريخية وأحداث مختلفة وصولاً إلى شمال أثيوبيا حيث أسسوا مملكة أكسوم عام 325 ق.م وبنوها على غرار ما كان لدى أقرانهم في مملكة سباء وعرش بلقيس فيها.
وما أحدثته من إسناد فريد للفتوحات الإسلامية التي لعب فيها الأقيال قيادات جنوداً وفرسان دوراً مفصلياً يشقون الصحاري ويمخرون عباب البحار فاتحين، أينما اتجه الرائي وجد لهم حكايًة قصةً وأثر، من بلدان النيل مروراً بشمال أفريقيا كلها وصولاً إلى ما وراء بلاد الأندلس "أسبانيا" التي لازالت القلاع بأسماء القبائل اليمنية ماثلةً حتى اليوم، وبرز في فتحها وحروبها أعتى قادة التاريخ من العرب اليمنيين الأقيال شجاعة وفروسية من القيل السمح بن مالك الخولاني الذي قُتل في إقليم تولوز جنوب فرنسا كما أورد أحمد مختار العبادي في كتابه "التاريخ العباسي والأندلسي" وأعقبة القيل عبدالرحمن الغافقي الذي استُشهِد في معركة بلاط الشهداء، ص294
كما أكد عبدالرحمن الطيبي في كتابه "الريف قبل الحماية " أنه تم فتح جزيرة "كريت" اليونانية على يد القائد اليمني أحمد بن معيوف الهمداني، وذكر أن الحميريين بقيادة القيل صالح بن منصور الحميري هم من نشر الإسلام بين الأمازيغ في أرض الجزائر ومنطقة الريف المغربي والذين يعودون هم أيضاً إلى أصولٍ يمنية بحسب ما أورده ابن خلدون في مقدمته عن قصة تسمية أفريقيا بأنها تعود إلى أفريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة الذين غزوها وكانوا أول من أسس الدويلات والمدن فيها.
قامات أقيال يمنية تصدرت الريادة وتولت القيادات والولايات من صَقَلية إلى خراسان من يزيد المذحجي إلى ربيع بن زياد المذحجي ومعاوية بن خديج الكندي وهلم جر، وما ذاك إلا غيضاً من فيض وقطرة من مطر، قادة يصعب حصرهم في مقالة كهذه، ملأوا الدنيا صداً وبطولات علماً عطاءً وحضور، كانت تتصارع اليمانية والقيسية جناحي صناعة القرار السياسي في تولي الحكم في الأندلس وغيرها من الولايات وكان ما إن أخذت بيده أقيال اليمن ونصروه إلا أمسى متوجاً بالملك ومنتصراً على من نازعه الحكم.
ولأنهم سلائل ملوك وأبناء حضارة سنوا النُظُم الإدارية والقانونية والتجارية والحربية، وما إن يصلوا إلى أرض إلا ونقلوا تجربتهم وقوانين دولهم وخبراتهم معهم وأقاموا فيها الدور والقصور وعقدوا الجيوش وأسسوا الأسواق التجارية ونشروا التمدن والرُقي وغرسوا بين أبنائها قيم النخوة والنجدة وكرم الضيف ونجدة الملهوف.
وقبل كل ذلك كان اليمنيون من قبيلتي الأوس والخزرج هم نواة بناء الدولة الإسلامية في المدينة المنورة وأعمدة بناءها وسيوفها وجيوشها القاهرة آمنوا بالرسالة ونصروا الرسول وأووه بعد أن خذله قومه من قريش، حاربوه وحاولوا استئصال شأفة الاسلام بعد أن فرضوا عليه وأهله حصاراً قاسياً دام ثلاث سنوات، في قسوة عدائية لا مثيل لها حتى كادوا أن يهلكوا في شعب مكة، أكلوا فيه حتى الجلود وأرواق الشجر، وتآمروا على قتله في فراشة، ثم تبعوه مُجيشين قبائل الأعراب إلى مشارف المدينة واستنفروا حتى الأعاجم ضده.
وبعد معارك دامية كانت القبائل اليمنية هي الحامي وأصحاب الرأي السديد والقيادة والسند المتين، عضدوه حتى أدخلوا الرسول عنوةً في فتح مكة على قومه وبعد أن يئست قريش من مقاومة الاسلام، وظهرت طبقة من سُموا بالطلقاء وهم من ساد وتولى بعد ان استقام أمر الإسلام واستوى عوده وأزيح الأنصار عن المشهد بعد كل ما صنعوا.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تورد إلى اليمن من قريش من لم يجد أرضاً ليحكمها ويسود باسم الدين والسلالة، فقدم يحي الرسي في جمعٍ غفير من الطبريين واستغل سماحة أقيال اليمن وعاطفتهم الدينية، وقيم نجدة الغريب وحب إكرام الضيف، ثم غرس عوامل التفرقة والشقاق بين أبناء العمومة من القبائل اليمنية على مستوى الفكر والسلوك، ومن ثم استعدى بعضهم على بعض وكرَّس جهده في هدم كل ما يمتُ إلى تاريخ اليمني وحضارته بصلة وسحق مشاعر الهوية والانتماء، وجازاهم بما لم يستحقوا، غدر بهم وأغمد السيف فيهم وسام القبيلة اليمنية سوء العذاب فأورث فيهم الخراب وهدم الدور والسدود وأحرق المزارع وهدم الآبار وجففوا منابع الأنهار حتى جعلوا الفقر في رقابهم قيداً يشدوهم به إلى نزوات حروبه مكرهين، وما المآسي التي نراها اليوم في حروب اليمن إلى صورة عاكسة ومثلاً حياً فاضحاً للحقب التاريخية التي تولى فيها الأئمة ومن لم يرَ من اليمنيين ما دار في حكمهم بالأمس ينظر ماذا يدور من حوله اليوم.
إن كنا قد انتقدنا مراراً ما أحدثه الزمان في كيان القبيلة اليمنية وغير من ظروف أحوالها وانسياقها في أتون حروب الهاشمية السياسية واغتاظ منه الكثير من الأحبة، وما كان ذلك منا إلا نقد تقييمي محب لاستنهاض روح العزة والتمرد على موروث الإمامة الكهنوتي المتخلف والتوجه نحو قيم الحضارة الذي اعتادته في بناء اليمن الاتحادي الجديد..