للغربة وحشةٌ ووقع لا يدركه إلا عشاق الوطن ومن باتت تربته وتضاريسه جباله وسواحله تجري في شرايين الدم وتسكن حنايا الروح، مطارحها القلب وطرقها شرايين الوريد. ذهب الزمان بجماله ولم يعد له في حياة اليمنيين لون ولا طعم ولا رائحة، يضاعف مآسي الغربة فراق توائم الأرواح وأقران القلوب يرتحل اليمنيون على موج دمائهم وأصوات أنينهم ولا يخفف من تلك الوحشةُ والآلام إلا الصداقات الحميمية الصادقة الخالية من ألوان كيد الحسد، الغيبة والضغينة.
الصداقات التي كان ولازال الأستاذ أمين الهمداني نائب سفيرنا في ماليزيا عنوانها لها وقبلة الحاجين إليها، الرجل الذي جمع بين الأصالة والمعاصرة أصالة المجتمع اليمني ومعاصرة العمل الدبلوماسي الحديث، جمع بين بساطة الصديق وقربه ورسمية العمل الخادم لكل من طرق سماعة تلفونه أو ارتاد مكتبه.
الرجل الذي استوعب معنى الوظيفة العامة، بأنها خدمة وتكليف وليست تشريف ومنبر للتباهي والتعالي والكسب وفرد الصدور، هناك من هم اقل منه شأناً غير أن مستواهم لا يرقى إلى مستواه في حب الناس وتقديرهم والتفاني في خدمهم وتخفيف وطأة الغربة وفراق الأهل والأحبة.
استوعب أنه لابد أن يكون للوظيفةِ أثرٌ يحمد الناس صاحبها بعد الرحيل، استوعب أنها ليست دائمةً لأحد، وأن الموظف يذهب ولا يغادر إلا الحمد والثناء والذكرى الطيبة أو الذم والتاريخ المظلم في ذاكرة اليمنيين، كان قبلة الأستاذ عبدالله الجبوبي الذي ترك أثاراً وذكرى طيبه عند أصحاب النفوس الصحيحة كان نموذجاً للشفافية المطلقة والخدمة اللامحدودة، وتقدمهم الأستاذ أحمد سعيد نعمان الذي كان يد العون لكل طالب علم، وفاتحاً أدراجه لكل طالب دين أو سلفة من الطلاب ومن راتبه الخاص، ولا يذكره أحد إلا ذكر أيادي الخير يدٌ تنفق ويد إذا ما ضُنَّ بالزاد تكرمُ.
سيذهب الأستاذ أمين الهمداني تاركاً عبقاً من الذكرى وطيفاً من المرح والبساطة والألفة سيترك خضرة غابات والدفء متجهاً إلى بلاد الثلج ديار الخواء الروحي والوجداني غير أن مخزونه الروحي من التدين وأصالة القيم لن ينفذ، أجبرته الظروف على الرحيل كما أجبرتنا على الحزن عليه وذلك لأنه للغربة توائم إذا ما رحلوا رحل الحلى كله والجمال كله.