الحركة المدنية الديمقراطية , في خضم نشاطها التنويري ومحاربة الظواهر السلبية , والتصدي للعبث القائم تكشف الغطاء عن كثير من الحقائق , اخرها البسط على الاراضي والمتنفسات والسطو على المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة , يحضر الفعاليات التي تقيمها الغيورين على الارض والوطن , والقلقون من الانهيارات المتتالية للقيم والمبادئ والاخلاقيات , من التشظي وتفتت اللبنة الاجتماعية والوطنية , من استدعاء مشاريع استعمارية وافكار بالية عفا عنها الزمن , تعيدنا اليوم لما قبل التحرر والاستقلال , من التخلف والغباء والفساد المستشري بين الكتل السياسية , التي تحولت لمشكلة رئيسية وتنتج مزيد من المشكلات , كتل تتعفن بالارتهان ولم تعد قادرة على انتاج حلول , بل تضع العُقد في مسار التحول السياسي الطبيعي لينتج تغيير يلبي تطلعات وامال الناس , تغيير سلس وامن مدعوم بمؤسسات دولة تشريعية وتنفيذية , وتحييد للعنف , والتخلص من المليشيات ودمجها في مؤسسات امن وجيش وطني , يحمي الناس وحقوقهم , كصمام امان للوطن لمزيد من الانهيار والتفتت لواقع قد لا يحمد عقباه, والمؤشرات اليوم توحي بما هو اخطر واسوء , كلما تمادى المتعصبون والمتخلفون .
هذه الحركة اوجدت متنفس للناس ليعبروا عن مكنوناتهم دون قيود , فاستمعنا جميعا للأخ ابو مشعل الكازمي ,والقاضي فهيم الحضرمي وعدد من الحاضرين مع حفظ الالقاب , الذين حضروا برغبة ذاتية ليفرغوا ما في انفسهم بشجاعة الطرح , و وطنية الهدف والغيرة , عندما قالوا أن 99% من الباسطين والناهبين هم من قادة عسكرين و مسؤولين في السلطة المحلية والعليا ,وكتل سياسية تدعي الوطنية ومنهم في مواقع اكاديمية رفيعة , واننا لم نصلح بعد من ذواتنا , ونكرر ماسينا , اذا الفاسدون والباسطون والناهبون السابقون رفعوا راية الوحدة كتعبير عن حقهم بهذه الممارسات , لصوص اليوم يرفعون راية الانفصال كحق في ما يمارسوه , هم انفسهم لصوص الامس لصوص اليوم بإضافات من يدعون زورا المقاومة والشهداء والمقاتلين في الجبهات .
معلومات و وقائع تطرق لها اللقاء مهولة وصادمة , واعلان عن وجود اسماء بصفاتها هي المسؤولة عن ما يحدث لعدن , كافية ان تحدث انقلاب في تركيبة السلطة المحلية والعليا , لتفيق الضمائر التي لازالت تتعصب مع مناطقها وأيدولوجياتها ومشاريعها الصغيرة الانانية , كافية لتحيي المجتمع باصطفاف وطني غيور يوقف هذا العبث , لكن الامر مر مرور الكرام ,لم يهز جفن من يتشدقون بالوطنية والتحرر والاستقلال , ولا دعاة العدالة والدولة الضامنة للمواطنة , لم يهتم غير بعض المواقع والقنوات والناشطين , والكم الاكبر غارقين في عصبيتهم وعنصريتهم وانتقامهم وتصفية حساباتهم التي ستدمرهم وتدمرنا معهم , لم نسمع راي من سلطة الشرعية ومؤسساتها العقابية والمحاسبة والرقابة والنيابة , ولا مكونات سياسية فالكل متورط بعدد من انصاره .
ما يعني اننا في مجتمع يصارع الموت وفي الرمق الاخير , الراي العام يحتاج لمجتمع حي , وضمائر حية , هو ذلك المجتمع الذي لم تؤثر فيه صراخ النساء وعويل الاطفال التي تدعو لأطلاق سراح ذويهم من سجون لا تلتزم بالنظام والقانون وحقوق الانسان وادميته , واعترافات التعذيب وانتهاك الاعراض والاغتصاب , مجتمع شحيح بمن تنبض ضمائرهم انسانية و وطنية .
هذا هو واقع من صنع الامية السياسية , الفاقدة لاستراتيجية التخطيط الشامل في الاستمرار للنضال العظيم والقضية العظيمة والحلم العظيم للامة والهوية والتاريخ , ودمرنا كل مكتسبات الاستقلال والتحرر , البنية السياسية وتجريف المجتمع من فسيفساءه وأيقوناته , امية تفتي بتحريم الحزبية واجتثاث الاخر بجهل متجذر يعود لما قبل التاريخ , بعقلية ليست متخلفة فقط وعارية من الثقافة بل مهزومة .
اليوم نفقد مجموعة من الأفكار والعادات الحسنة والموروث النضالي الذي يتكوّن فيها مبدأ خلقي لأمة , نفقد تميزنا في مناطق المدن التي تزحف اليها القروية والتخلف , نفقد المدنية والتعايش والتنوع والارث الثقافي والفلكلوري , بل نفقد الهوية والتاريخ , اليوم لم نعد نشبه ذلك البلد العظيم الذي كنا نتغنى فيه , وتلك الهوية الفخر ليس لنا فقط بل للعروبة والاسلام ,الذي قال عنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ ) , ماذا ستقول الاجيال عنا ؟, وبماذا ستفتخر بنا ؟, ونحن تنكرنا لهويتنا وتركناها للفاسقين يتشدقون بها , لنعود لحضن مشاريع استعمارية واطماع فاقدي السيادة والارادة , بهوية مستعارة , وتقليد اعمى , حيث نتعرى من القيم والمبادئ والاخلاقيات وتموت ضمائرنا , ونعجز عن حماية ادميتنا .
احمد ناصر حميدان