عاتبك يا سيادة الرئيس أبناؤك وانت زعيماً شامخاً في السلطة بوقوفهم في كل الساحات بالطرق السلمية، سَهِروا في متارس الخوف بعد رحيلك منها في كل جبل يبحثون عن وطن رحل مع آخر ورقة سقطت من أوراق اشجارك، شعروا بالحزن العفوي بعد استشهادك، شعروا بالتيه بعد أن وقفت دماؤك الجارية في شرايين الحزب الشعبي، شعروا بالغيض ممن غدر بك، ويبحثون اليوم عن صفٍ واحد يجمعهم للثأر من الغدارين والنصر عليهم لأنك كنت أبا متمرداً غير أن أواصر الأبوة أبقتك أباً وأخ.
يريدون الخروج من التباينات في الخطاب اليمني الثوري، لأنها صارت تُبكي المتأمل فيها أحياناً وأحياناً تثير الضحك المجنون حتى السخرية، لأن البعض لا زال يتحدث وكأنك موجوداً، لا زلت رئيساً في قصرك وشباب الثورة في الميدان محاطين بقوات الأمن، والفريق الأحمر في معسكره الفرقة الأولى مدرع، مع إجلالي وكل احترامي لجلالة وقدر ثورة فبراير التي عانى فيها أبنائنا مرارات الخوف والعذاب المرير، نتفاعل بعفوية وكأن الثورة نجحت وحققت أهدافها وتصالح فرقاء السياسة واجتمع الأحزاب في تشكيل حكومة واحدة وانتشر الأمن وساد العدل واجتُثت عروق الفساد.
ولم تصبح عصابات الحوثي الكهنوتية في صنعاء أو مازالت تقبع في الجرف تبحث عن وساطة لتخفيف وطأة الحرب عليها كما كانت تفعل، وقد ذابت الهاشمية السياسية في المجتمع اليمني وصاروا حمائم للمحبة والسلام شعارهم "مالنا غير اليمن يمنيون ولسنا هواشم منكرين حق الولاية".
تقول نظريات الكوارث العقلية، كل كارثة تُنسي وطأة وجراح ما قبلها من الكوارث، وعقاب الجرم الأصغر يدخل تحت عقاب الجرم الأعظم، ومن المحزن أن نتغنى بثورة سليبة، قادتها وشبابها في السجون والمنافي القسرية، ولم يتصافح اليمنيون ويسقطون خلافاتهم تحت جُرم الجائحة الإنسانية والحقوقية والوطنية الكبرى المتمثلة بانقلاب العصابات السلالية على الشعب اليمني وكل حركاته وثوراته الوطنية الخالدة.
لأن المحنة قد طالت وقد بات كل شيءٍ مَجاز لا حقيقة له، نثور بلا ثورة، ونخطب بعيداً عن صدق النية، ونصرخ في أوقات الهمس، ونهمس في مواطن الجهر بالقول، ونغني بلا لحن وكلمات شاعر خانته الموهبة، ونرقص بسيقانٍ هدها الإعياء من طول الرحلة، سميرُنا الهم ولحافنا الغفوة والغفلة، نلوم بعضنا ويحسد بعضهم الإخوة على اللا شيء.
فهلا تنازلنا جميعاً كصفٍ جمهوري واحد لبعضنا لأجل اليمن ولأجل أولادنا التائهين والباحثين عن الوطن بين دفاتر الفُرقة وخلاف رفقاء الدرب وحاملي هم القضية، فهلا أدركنا فعلاً أن الكل بات ضحيةً لأخطائه وللجروح التي أحدثها في قلب أخيه بعفوية أو بصدق النية، فهلا أدركنا جميعاً أنَّا هُنا في الغربة وعلى أراضي الغير نبحث عن "فيزا" أو كرت للأمم المتحدة كملجأ ترفضه العفة، وصارت تنهشُنا عندهم النظرة، وبات العيش زُعافاً خالي من طعم يمن الضحكة والنكهة.
تناكفنا كيمنيين عقب كل الثورات تصارعنا في كل المنعطفات ارتكسنا في كل الأحداث وفاز الباغون الأعداء بهدوء التخطيط والإيقاع بين رفقاء السياسة والمؤسسة والهدف الواحد، وبناء الدولة وصُنَّاع المستقبل، والهم الواحد والألم الواحد والدمعة الحارة والعبرة.
رحل صالح إلى ربه جنى ما زرعته يداه وأحاطت به خطيئته، كتبنا عليه وهو يعاند ويخاصم وينتقم بالطول والعرض بكل طريقة، خوفاً عليه من نفسه ومحبةً منا لحِمْيريته الحانية، لأنه قال يوماً في عناد أنا علي عبدالله صالح "الحميري"، ومات عليها ولم يدَّع الحق الإلهي في الحكم، وأن لديه صكاً ابدياً يُعظَّم شأنه ويحفظ نسله في السلطة، كان لديه حزب في كل مكان التحقت به عناصر وكوادر من كل الأطياف حزباً شعبياً جماهيرياً بامتياز، يعطي المنحة والخطاب والتوصية لكل من قصده دون تحرٍ حزبيٍ مغلق كباقي الأحزاب.
ولولا السلالية التي اتخذته معبراً لأهدافها ومن خلاله حققت آمالها بغفلة من كل منتسبي الحزب الوطنيين، أو بسوء تقدير وخطأ منهم في الحساب، ولولا ذلك لكان هو الحصن لكل مستجير ومقصد كل محتاج ومضلة كل تائٍه وفقير، ولازالت سوانح الفرص قائمة والأمل ماثل للعيان لتطبيق مبدأ التصالح والتسامح لأجل اليمن والتنازل والتلاحم من كل الأطراف في وجه المشروع الفارسي السلالي عدو الهوية والعقيدة والوطن ودين الأمة بِرُمتها..
ومن يعتقد أنه سيهزم الشعب اليمني ويصادر حقه في الحياة فهو واهم، لأن الشعوب قد تنهزم قد تتعثر قد تُقهر لكنها لا تحتفي أو تموت.