التراجيديا- على حد تعريف أرسطو- محاكاة فنية لفعل واحد يكون جدياً, وأكثر جدية عندما تحاكي التراجيديا الواقع المعاش, بأفراحه ومآسيه.
مجرد التفكير بتراجيديا المأساة للواقع اليوم، نتذكر تراجيديا الأمل الناتج عن الثورة الشعبية، والأمل والتفاؤل اللذين يدفعان الناس بقوة نحو المستقبل المأمول لتطلعات الجميع، نتذكر الساحات والهتافات والتضحيات، والتسابق نحو الصفوف الأولى لمواجهة أعتى قوة عسكرية بصدور عارية.. أتذكر دماء الشرفاء والمناضلين من ربوع الأرض اليمنية المباركة، وهي تروي أرضنا الطاهرة لتشكل منظراً نضالياً ثورياً إنسانياً عظيماً، أتذكر مشاركتنا وبعض الرفاق في مسيرة الحياة التي التقيناها في يريم، وكيف قضينا معاً يومين من المسيرة اتجاه صنعاء، أتذكر ذلك الجنوبي المتعصب وهو يعتذر في ساحة الجامعة من أي إساءه بدرت منه اتجاه رفاقه في النضال في الشمال نتيجة ممارسات النظام السابق الذي أراد للصراع أن يأخذ منحى مناطقياً قذراً ثم طائفي اقذر.
تراجيديا الأمل نحن المتطلعون للدولة الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة، الدولة الاتحادية التي تضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة، حينما كنا نحن الجنوبين أكثر تطلعاً، وفرصة لنبرهن للآخرين أننا عند مستوى التحديات، وفي مستوى الشعارات التي رفعناها، والاحتجاجات التي كنا نقيمها، في مستوى القيم والمبادئ والأخلاقيات التي ننادي بها، كانت الفرصة متاحة للجنوب أن يقود اليمن للمستقبل المأمول، ليبرهن للعالم أننا رجال دولة وقيم ومبادئ مؤمنين إيماناً قاطعاً بالتغيير نحو الأفضل، بشموخ وعزة دون تفريط بالسيادة والإرادة اليمنية، ولم يكن اختيار فخامة الرئيس/ عبد ربه منصور اعتباطا.
لا ننسى تراجيديا الأمل في الجنوب منذ الوحدة اليمنية، في مواجهة تراجيديا المأساة من أصحاب المصالح والنافذين وأذناب النظام حينها، أو أصحاب المشاريع الصغيرة، مناطقية كانت أو طائفية، وأعداء ثورة سبتمبر وأكتوبر للانقضاض على منجزات هذه الثورتين العظيمتين.
وتراجيديا اليوم السوداء تحاكي هذا الصراع، بين تراجيديا الأمل والمأساة، قد يبدو للبعض أن تراجيديا المأساة تتفوق اليوم لتحاكي الواقع لتصبغه بلونها الأسود الحزين على وطن ينهار، وطن قام بثورة وهو يندم اليوم، بينما الحقيقة أن واقع اليوم يفرز قوى الأمل عن قوى المأساة، بل يفضح من يدعي الأمل وهو مأساة، من يرتدي ثوب الثورية وفي باطنة مشروع صغير قديم رث، يريد ان يعيد عجلة التاريخ للوراء، ويعيد الناس لذلك الزمن الذي كان فيه أسلافه يحكمون، ويعيش وهم الحق التاريخي في أن يحكم شعبا قد تجاوز مرحلة الوصاية والحكم بالتوريث، ينسى أننا في القرن الوحد والعشرين، عصر التكنلوجيا والاتصالات، عصر العالم قرية كونية واحدة، والشعوب التواقة للحرية والعدالة التي لا تقبل السيادة عليها باصطفاء الهي أو حق تاريخي، أو انتقام مناطقي أو طائفي، أو بدعم خارجي اقليمي دولي، شعب لا يرضخ للعنف والتهديد والوعيد والمواكب الاستعراضات العسكرية، اليوم الناس تصحوا وتنفرط من بين مكونات الوهم التي فقدت الثقة بها لتبحث عن ما يرضي تطلعاتها وحلمها في الدولة الحلم التي تستوعب الجميع.
اليوم الأمل في اصطفاف وطني يمحي التراجيديا السوداء التي تعم واقعنا اليوم، منذ الانقلاب والحرب التي أوجدت مكونات طارئة، تبدو للوهلة الأولى أنشأتها الظروف الموضوعية لتلبي حاجات الناس، والحقيقة هي من أنشأ التراجيديا المأساة، التي اخترقت مكونات تراجيديا الأمل، فلم يعد مكون ثوري الا وعلى سدة قيادته من القوى المعادية للثورة ومنها الشرعية، تجرنا الواقع سوداوي يكسو الثورة بالسواد، ليقول الناس رحم الله زمن النظام المأساة، وهذا لن ينطلي على النخب الثورية الواعية والشعب المتطلع للتغيير، هو مخطط مكشوف وها هو يتهاوى، وسيهزم وستنتصر الثورة وينتصر الناس لحقهم في التغيير والحياة الكريمة وحفظ السيادة والإرادة، وستسقط كل المكونات التي تديرها اليوم تراجيديا المأساة، لتنتصر تراجيديا الأمل في المستقبل المنشود.
احمد ناصر حميدان