أقلام ترعب الكهنوت

2019/02/25 الساعة 08:32 مساءً


????? أحمد المقرمي

كما ترعب الشمس البوم و الخفافيش، فتنزوي في جحورها بائسة خائبة مستكينة، و كما يُعرّي ضياؤها ما على الأرض و يكشفه للعالمين؛ فيتوارى الهمج و يتخفّى اللصوص، و يخنس القتلة و قطاع الطرق إلى الأقباء و مجاهل البيد؛ كذلك حاول و يحاول الكهنوت اليوم، و لكن ليس هروبا من ضياء الشمس و إنما من نور الأقلام، و الحقيقة أن هناك صراع بين النور و الظلمات، كما هو بين الأقلام و( البوم)!

   لا يمتلك البوم و الخفافيش أية حيلة لإبطال ضياء الشمس؛ إلا الفرار إلى الأماكن المظلمة، بينما البوم و الخفافيش الكهنوتية ظنت أنها بجهالتها تستطيع أن تستر عريها و حجب سوءاتها بإلقاء حملة الأقلام و عدسات التصوير إلى غياهب السجون و المعتقلات، معتقدة أنها بذلك تكون قد حجبت عيوبها، و أخفت مساوِءَها باختطاف الصحفيين.

 

   لقد أقدمت عصابات الكهنوت الحوثية على إغلاق الصحف، و عملت على حجب المواقع الإخبارية ، و عززت جريمتها باختطاف العديد من الصحفيين؛ بغرض إطلاق أياديها الآثمة بأفعال الإجرام، فلا يكتب عنها قلم، و لا تكشف سوءاتها عدسات التصوير.

   أربع سنوات مضت أو تكاد منذ أن اختطفت عصابات الحوثي عشرة من الصحفيين لغير ما سبب؛ إلا الرغبة في ممارسة الظلم و الإجرام اللذين أدمنت عليهما، و تشرّبتهما من أسلافها، و اليوم تمضي العصابة في غيّها و تعلن عن محاكمتهم، كلص نهب أموال الناس و سرقهم، ثم دعا لمحاكمتهم بزعم أنه المسروق!

    الفضاء الإعلامي العالمي؛ من صحف و قنوات فضائية و إذاعات ... يَعِجُّ بالحديث عن حرية الصحافة و الصحفيين، غير أن هذا الشعار أشبه بموازنة تشغيلية يتم توزيعه بنسب متفاوتة جدا، فهناك قضية لصحيفة أو صحفي قد تقيم الدنيا و لا تقعدها، و يتعدى الاهتمام المثير و المبالغ فيه وسائل الإعلام و الإعلاميين، فيصل إلى مربع السياسيين، و قد يصل إلى رؤساء الحكومات و الدول.

   و هناك قضايا ظلم قد تطال العشرات من الصحفيين و العشرات من الصحف، فإذا بالفضاء الإعلامي لا يصرف من( الموازنة ) تلك إلا أقل القليل و في أوقات نادرة، و من باب ذرّ الرماد على العيون ليس إلا !

   هنا تشعر أن وراء الأكمة خبايا و خفايا، و مزالق و أفخاخ، و أوراق قذرة، و استهدافات أقذر، بل و عنصرية مقيتة !

   تختفي وراء الأكمة تصفية حسابات بائسة، و ابتزاز مادي شنيع، و ضغوطات سياسية أبشع، و تمييع حقوقي، و استهتار بقضايا صحف و صحفيين ممن لا فائدة مادية أو سياسية ترتجى منهم .. و كل ذلك يجري و يتم تحت عناوين حرية الصحافة و الصحفيين و حقوق الإنسان .. الخ. غير أن هذه العناوين في الواقع لا تواري و لا تحجب الأغراض الخبيثة التي وراءها :

 

      ثوب الرياء يَشِفُّ عما تحته    فإذا الْتَحَفْتَ به  فإنك  عارِ

 

   هذه السطور ليست ضد مناصرة المظلومين، و لا ضد المدافعين عن الحقوق و الحريات، و لكنها تنتقد الكيل بمكيالين.

 

    في عالم النفاق العالمي الحرية درجات، فمتى ما أراد المنافقون الكبار، إثارة شيئ ما؛ بهدف توظيفه لأي غرض من الأغراض التي تخدم مصالحهم، أثاروا هذا الشيئ، و ربما رأوا شيئا آخر تستوجب التناول و الإثارة، لكن مصالحهم لا تستدعيه  تركوه ، و ربما عملوا على إجهاضه.

   في مأساة الصحفيين الذين يحاكمهم الكهنوت الحوثي في صنعاء، غابت حقوق الإنسان، كما غاب شعار حرية الصحافة و الصحفيين، و قد تصرف برقية تنديد من هذه المنظمة أو تلك، و ربما تحظى - على استحياء - بتغطية خبرية عابرة ثم تتلاشى و تضيع.

   لا نحمّل عالم النفاق كل الأخطاء، فذلك التعاطي مع قضايانا العربية هو المعروف عنهم و منهم، لكن ماذا عن عالمنا و مجتمعنا العربي ؟ و هل يتعاطى هو الآخر بروح عروبية مسؤولة، تجمع و لا تفرق ؟

   في فمي ما