ا لحرب، بكل أوجاعها وعبثيتها, كشفت لنا عورات المنافقين السياسيين والمظاهر الكذابة للكثير منهم.. كم من عورة تكشفت خلال الحروب السابقة، عندما تطلبت مصالح البعض تغيير توجهاتهم السياسية بكل بساطة وتخلوا عن قيمهم ومبادئهم لصالح مصالحهم، نطو من قوارب أحزابهم لقوارب أحزاب السلطة، ولازال البعض إلى يومنا هذا يضع رجلاً هنا ورجلاً هناك استعداداً للنط للمكون السياسي الأكثر قرباً في تربع السلطة، معروضين للبيع لأجل أن يكونا في حزب السلطة.
هذا النفاق أفسد حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية, وأهدر حقوق المجتهدين بتوجهاتهم ومشاربهم كانت مدنية أو دينية، يسارية أو يمنية، اختلطت الأمور ولم تعد الصورة واضحة في كثير من الأحيان.. اليوم أممي تقدمي مدني، وغداً عنصري متطرف طائفي.. أصبح النط من قارب لقارب- وفق المصلحة - فتلطخ الكثير بالمفسدة، فلم تعد للأحزاب السياسية نتائج طيبة في دعم المصالح العامة والوطنية.
المنافق ظاهر في خطابه وشعاراته، وباطن هي حقيقتها يمارسها كثقافة وسلوك ومواقف، يسخر هذه الازدواجية سياسياً للإيقاع بمن يستهدفهم عبر الغش والتدليس، المبالغة في تصوير الحاكم أو القائد أو الزعيم، رمز مشروعه ونفاقه تحت هدف الوصول للسلطة متطفلا كبطانة فاسدة.
صار بعض المنافقين سخرية إعلامية في القنوات، شقاه بأجور من منتج العمل، وهم يصورون لنا الزعيم المفدى بابتذال وتأفف والصدود، هؤلاء هم من يصنعون أصنامهم ويعبدونها، بل يصنعون مستبديهم وطغاتهم، بالنفخ فيهم حتى يصعب علينا تقديم النقد، لأن المنافقين صاروا بطانة، والبطانة تجيد إقناع هذا الرمز أن من ينتقده وينتقد سياسته هم مجموعة من المتآمرين والخونة، التهم جاهزة التي تروق للرمز والمنتج له ليكون رمزاً لمشروعه وأطماعه، والكل يسخر اليوم من التهم التي يسوقها المنافقون، هي تعبّر عن ابتذالهم وسقوطهم الثقافي ولفكري والأخلاقي.
من أضرار المنافقين أنهم يقتلون روح التوافق في المجتمع، التوافق على حل سياسي يسيد الحق والنظام والقانون، حيث يوقف هزل هذا النفاق ويكشف أوراقه وتتساقط، هو يدركون جيداً أن التوافق يسيد المخلصين والقابضين على قيمهم ومبادئهم، يسيد المصالح العامة والوطنية، ويسقط المشاريع الصغيرة والنفاق الأفاك.
الدستور والقوانين هي العقد الاجتماعي الذي ينظم إيقاع العلاقات والتوافق والتلاقي ليبقى اليمن بلد العدالة والمساواة والحرية، من يخربش الواقع خارج هذا العقد بخلق فوضى هو المنافق الشيطان نفسه الذي يوسوس للسيطرة والتحكم.
علينا اليوم أن نكون أكثر جدية لإيجاد توافق سياسي لكل الأطراف المتناحرة، لا مستقبل لليمن دون هذا التوافق، ولا مستقبل للجنوب ولا الشمال- أيضا- دون توافق على مستقبل ينشده الجميع لا طرف بعينه، جدية لنحرر البلد من الوصاية والتدخل الإقليمي والأجنبي، لأن هذه التدخلات تفقدنا السيادة والإرادة في تحقيق ما نصبو إليه، البحث عن حلول في دول الغرب والشرق، هو تفريط واضح لإرادة الناس وسيادة البلد، من يبحث عن دعم خارجي لمشروعه السياسي، هو يقبل أن يكون وكيلاً لاحتكارات وأطماع أجنبية إقليمية ودولية، ويضر بنفسه والبلد.
المنافق يرفض التوافق، لا ?سعى إلى استقرار، بل ?سعى إلى الفوضى وإعادتنا إلى أيام سابقة، برئيس وبطانة مناطقية وحماية قبلية، رئيس عسكري يحكم بالحديد والنار ومن يفكر تغييره حكم على البلد بالذهاب للمجهول، بلد يحكم بطاعة ولي الأمر ولا خروج عليه حتى وإن أثم وقتل ونهب واستباح، علينا الصبر والدعاء حتى تأتي الهداية ويصلح حال الحاكم ليصلح حال البلد.
لا نحتاج لهذا الكم من الإشاعات والترويج والبرمجندة الإعلامية، وصناعات القادة، وتركيب الصور وتشكيل وعي لحشود تصفق وتهتف للرئيس المنقذ، الذي قيل عنه وقال، ثم قال، حشود تردد ما قيل وما قال، دون وعي نقدي ولا حرية اختيار، الاختيار والنقد خيانة في زمن البطانة السياسية السيئة المناطقية والطائفية، ونعود لعهد الدكتاتورية والشمولية من حيث ندري أو لا ندري .
التوافق يبعدنا عن الغبن والتمكين والسيطرة على حكم الناس بالعنف بشعارات وهمية وعناوين تسويقية ونفاق سياسي عفن، يبعدنا عن الظلم والقهر والتعسف والاستبداد، يحقق لنا أحلامنا في المستقبل المنشود بالمواطنة والعدالة الاجتماعية والحرية والمساواة، وهو خير مشروع ينعم فيه الجميع بالحقوق والواجبات والنظام والقانون.
احمد ناصر حميدان