الإرهاب.. بذرة زرعت في أرض خصبة، بثقافة الكراهية والغلو والإقصاء ومعاداة الآخر المختلف، ترتوي بماء العصبية والأنانية والتمايز العرقي والطائفي والمناطقي، في مجتمع اتخذ من العنف وسيلة لحسم أموره.
كراهية تبحث عن مبرراتها في قمامات الماضي، من قهر وبؤس واضطهاد، بالسعي للانتقام من الحاضر ليعيق المستقبل، فتجد في الفكر المتطرف الأحمق ضالتها، إرهاب لا يحتكم لنطاق جغرافي، ولا لمدرسة دينية محددة، ولا عقيدة، هو وباء وجد أرضاً خصبة وهواء فاسداً فاستفحل. لا تنه عن خلق وتأتي مثله.. عار عليك إذا فعلت عظيم.. عار الضعفاء عندما يتمكنون من القوة والسلطة والجاه، يفرزون بما فيهم من عفن، انتقاماً من الآخر، فكرياً وروحياً وجسدياً، بشر مستطير، فالروح الخيرة وحدها القادرة على أن تنفث خيرا، روحاً وعقلاً و وعياً طاهر من كل خبائث الكراهية.
الإرهاب هو نتيجة حتمية للكراهية والانتقام، لا علاقة لها بالأديان والعقائد، العقيدة هنا ضحية من ضحايا الاستثمار السياسي السيئ للحياة، باعتبار العقيدة أسهل الوسائل للحشد والتحريض، والتخدير والتغرير.
في آخر إحصائية وُجِد أن الإرهابيين هم خليط بشري من مائة دولة، جُنّد منها أكثر من خمسة وأربعين ألف مقاتل، ينحدرون من اتجاهات فكرية متعددة لهدف واحد، يجمعهم فكر متطرف وغلو وتفسير خاطئ للأفكار النبيلة والسامية التي تحملها عقائدنا.
باعترافات "هلري كلنتن" نحن من جندنا الإسلاميين لمحاربة خصمنا الاشتراكيين، متخذين من الشيوعية والإلحاد مبرراً، وغيرة الإسلاميين على دينهم كوسيلة.. واليوم نحن من نقتلهم بطائراتنا، لنتخلص من إرهابهم، في سيناريو خبيث سمي بمحاربة الإرهاب، وفي طياته حرب ضد الإسلام دين السماحة والعدل والحرية والمساواة للأمة البشرية، دين متجدد للماضي والحاضر والمستقبل، يراد له أن يبقى أسير الماضي، دين حرّم قتل الإنسان دون حق (النظام والقانون والشرع) وحفظ كرامة الإنسان وحياته وعرضه وماله، دين كهذا لا يمكن أن يدعو لقتل الأبرياء، {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، (ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ? وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ? إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ? وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).. صدق الله العظيم.
ما أجمل آيات الله ومعانيها النبيلة، التي تعزز الحرية ورفض العنف كوسيلة للإخضاع ، بما يعني أن قوة الإسلام في قيمه وحججه والموعظة الحسنة.
هو ذلك الغرب الذي حوّل العالم لرقعة شطرنج وجد أحجارها من بيننا، من المتطرفين والمتهورين، ممن جعل من الجهاد مجرد قتل وتفجير واستشهاد، وغفل عن جهاد العمل وبناء الجيل المتسلح بالعلم والمعرفة والمؤهل في البناء والتطور والازدهار للمنافسة الاقتصادية والعمرانية والصناعية في مواكبة لتطورات ونهضة العصر.
جريمة قتل المصليين بمسجدي نيوزلندا، هي جزء من هذا المخطط القذر ضد الإسلام والمسلمين، جريمة نشهدها في عواصم عربية وإسلامية، وبأدوات مسلمين، تحارب الآخر وتصفه بالإرهاب، وهي أعجز من أن تستوعبه وتضبطه بنظام وقانون عادل ومنصف وحق، يخضع الجميع ويحدد من هو المذنب ويبرء الغير مذنب دون تلفيق وسجون وتعذيب وقهر وتعسف، وتجعل الاختلاف إثراءً ثقافياً وسياسياً وفسيفساء جميلة تزهو بألوانها وترتقي بالمجتمع، وتعالج القضايا بالتي هي أحسن، لتنهض الامة وتستعيد عافيتها لتلحق بركب الحضارة والتقدم.
ما نعيشه اليوم في بلدان الربيع العربي ومنها بلدي اليمن "صنعاء وعدن"، هو ثقافة الكراهية والتطرف السياسي والفكري والديني، كراهية بين المذاهب والطوائف والمناطق، وجدت من يغديها ويشتغل عليها لمزيد من الشتات.
كراهية صارت اليوم سياسة وخططاً وبرامج لها مؤسساتها ومكوناتها الإعلامية والعسكرية، ولها داعموها الدوليون والإقليميون، تحت شعار محاربة الإرهاب، تحارب الأمم والأفكار والتوجهات والأحزاب، وكل أدوات التنمية السياسية والديمقراطية، والبديل هو الفوضى وتكميم الأفواه وتصفية الحسابات والانتقام السياسي والفكري والأيدلوجي، وترسيخ الكراهية والانتقام والعنصرية وكل قيم الانحطاط، ومجتمع يفقد إنسانيته ودينه وعقيدته التي تحولت لشراذم تقتل بعضها بعض، وتنتهك حرمة بعضها البعض، وشيوخ وعمامات تفتي بذلك من أوكار استخبارات العدو بكروش منتفخة بالمال الحرام.. والله المستعان.
احمد ناصر حميدان