"لا أتذكر قلبي إلا إذا شقه الحب نصفين أو جف من عطش الحب" محمود درويش
خرجت جماهير تعز مع الحزب الذي تثق فيه، وحزب الإصلاح اليوم لا ينافسه أي حزب أخر على مستوى الوطن اليمني الكبير، أعجبنا الإصلاح أو لم يعجبنا، ثمة حقائق هناك علينا التعامل معها وعدم التعالي عليها، حتى يكون لما نكتب وزناً وقيمة، أما الإسهاب الوجداني على غرار نحب ونكره فمجاله أخر غير المجال السياسي.
الحشد هو الحشد أينما كان، ما يهمنا في حشد تعز اليوم بالتحديد هو ثوريته، فتعز مدينة الثورة اليمنية منذ أربعينيات القرن الماضي، ليكن ذلك بسبب الوعي أو بسبب الجوع أو بسبب البحث عن دولة المواطنة، ما يهم هو خروج هذا الحشد في ظل حصار مستمر منذ ما قبل العاصفة وجبهات مفتوحة تقدر بحوالي 360 كيلو متر، بالإضافة إلى ضعف في الجبهة الداخلية لأسباب إدارية أو أسباب تعود للأداء السلطوي، بالإضافة إلى وجود جيوب مقلقة في حارات المدينة القديمة.
قبل عامين جلست إلى طفل قادم من تعز كان يحدثني عن قاضي التنظيم، وعن رجال التنظيم، وعن إسقاط أطفال الحارة لطائرة مسيرة للتنظيم، وعندما سألته "ايش من تنظيم ياليد؟" صعقتُ من إجابته، كنت أظنه مازال طفلاً ولا يدرك الأحداث ولا يستطيع تقديرها، قال لي بالحرف الواحد (تنظيم القاعدة)، كان يشير إلى رضوان كواتي بقوَله قاضي التنظيم صهر أمير التنظيم أبو العباس، أطفال تعز يدركون الوضع أفضل من الساسة والنخب لأنهم يعيشون الوضع كما هو وبدون رتوش.
من قبل هذا اللقاء العابر وأنا أدرك أن تعز يراد تحويلها إلى توار بورا جديدة وحلب أخرى و رقّة ثانية، فما الذي منع هذا الأمر؟ الإصلاح لا سواه، فهو الحزب القادم من الفكر الإصلاحي اليمني الذي انتجته مدرسة الإمام البيحاني والتي تزامنت مع مدارس عربية و إسلامية مشابهة.
نحن أمام حقائق معروفة على المستوى اليمني، مثل وجود تنظيمات إرهابية كتنظيم الهاشمية السياسية وجناحها المسلح (الحوثي)، وتنظيم القاعدة المسلح، وتنظيم الجامية الاستخباراتي والذي يغذي القاعدة بعناصر جديدة وساذجة يأتي بها من بين الفقراء والمتخلفين، من يستطيع مجابهة هذه التنظيمات فكريا وثقافيا و سياسياً وعسكرياً وأمنياً؟
الإصلاح لا سواه، ومن يريد القفز على الحقائق فهذا شأنه.
كل هذه الجماهير المحتشدة في تعز تبحث عن الدولة، هذه ليست أي جماهير وليست جماهير قابلة للبيع، هي جماهير تعز الأصيلة الباحثة عن المواطنة والاستقرار، وهي توالي وتناصر حزبها الذي بقى معها جمهورياً عندما تميلكت بعض النخب السياسية وتحوثت وساندت أعداء الجمهورية، هذه الجماهير اليوم إن كانت تحمل الحزب الذي أخرجها فواجبه يحتم عليه حمل همومها، هي أوصلت رسالة للحزب ولأصدقاء الحزب ولأعداء الحزب أيضاً.
قالت المسيرة للحزب عليك أن تعي دورك جيداً أنت حزب الجمهورية اليمنية ولست متعهد حفلات وفعاليات ومظاهرات ومسيرات، وعليك تقع مسؤولية حمل هموم هذه الجماهير وطموحها وعدم خذلانها وقت المساومات والمفاوضات، فهي لم تخذلك ساعة الشدة فلا تخذلها ساعة الرخاء، وسجل يا تاريخ فالجماهير لا تنسى ولا ترحم. وأخبرت الجماهير حزبها أن لا يغتر بحشده الضخم وضعف حشد غيره، فالحشود غير ثابته والجماهير متحولة عن كل متكبر ومتميز عن شركائه، وأنه لابد من أن يقدم المزيد من التنازلات للوصول إلى تسويات حقيقية على الطاولة مع شركاء القضية والمصير.
قالت تعز اليوم لأصدقاء الإصلاح، خرجنا اليوم لنقول لكم أننا نثق في هذا الحزب ولا يمكن تجاهله أو استغبائه، فهو لأجل المقاومة و التحرير قد أذل نفسه كثيراً فالمهمة صعبة، وليست كما يتخيل المتفرجون من بعيد، هذا الحزب جمع بين السياسية والجندية لأجل اليمن وإن صمتت لسانه فتحركاته مدوية في كل جبهات اليمن، وفي كل المحافل ويتوزع أبنائه المهام الشاقة أينما كانوا، هذا الحزب صداقته شرف ما تمسك بالجمهورية اليمنية وأهداف الثورة اليمنية الواحدة الممتدة من 17 فبراير 1948.
أخبرت جماهير تعز أعداء الحزب، أن الوطن يتسع للجميع والعداوات في السياسة غير ثابته، وأن الحزب بكل هذا الثقل في مدينة واحدة لا يمنح عدوه انتصاراً مهما كان، و إذا انحنى أمام العاصفة فلأجل جماهيره ومستقبلها لا لأجل مصالح شخصية.
علينا أن نفرق بين الحزب كتنظيم سياسي، وبين نخب الحزب التي أنتجها أو نتجت عنه منذ نشوئه، الحزب لديه قنواته ووسائله المعبرة عنه، ولديه قياداته، ونخب الحزب سواء أكانت مازالت قريبة أو بعيدة عنه، هي تحاول التأثير داخل وخارج الحزب، لهذه النخب ظروفها وطرق تفكيرها، كما أن للحزب ظروفه وطرق تفكيره، تتفق النخب مع خطاب الحزب أحياناً وتختلف أحياناً، لكن الحزب يعبر عن قرارته ورؤاه عبر أدواته المتعارف عليها، والنخب تعبر عن قناعاتها وتطور أفكارها المتسارع، وهي بالطبع أكثر تحرراً في قرارها من الحزب، والسبب يعود إلى أن النخب تعتمد على وسائل بسيطة وغير معقدة للتعبير عن قناعاتها وقراراتها، بينما الحزب يحتاج في إتخاذ قرارته إلى عمليات غير متناهية التعقيد، ولا يملك الحزب وسائل جديدة إذ أنه لم يطور نفسه تقنياً ومازال يتعامل بالطرق البدائية في الوصول إلى أفراده.
يُشكل على متابعي السياسة أن حزب الإصلاح مع التحالف، وبعض نخبه لديها مواقف معلنة من التحالف، هذه الإشكالية أيضا تُربك الحزب وتُربك التحالف ووسائل إعلامه أيضاً، ومع أن التفريق بين النخب والحزب مسألة سهلة وليست معقدة إلا أن هناك من يحاول جر الحزب إلى مناطق ضبابية ويقوله مالم يقل.
سألت الأستاذ اليدومي قبل فترة عن الإمارات ودورها في التحالف فأجاب حرفياً " قادة الإمارات أشقاؤنا والإمارات تُقاتل معنا كتف لكتف، أنا أصدق عيناي ولا أصدق ما تقوله" سواءً أعجبني قوله أو لم يعجبني بصفتي نخبوي، إلا أنه لم يتردد في قول ما يعتقده هو وحزبه، بالمناسبة اليدومي و الأنسي هما من يقودان الحزب ولست أنا ولا النخب القريبة و البعيدة عن الحزب