تجمع ( الإصلاح ) بين الممكن والمستحيل .

2019/04/02 الساعة 04:04 مساءً

تجمع ( الإصلاح ) بين الممكن والمستحيل .
تبارى الجاهلون من الخصوم ، والغافلون من المحايدين وذوي القربى ، في قذف التجمع اليمني للإصلاح ، بالنفاق والمداهنة ، وبالتقلب والتملق . وذلك حين قاد مسيرة شعبية في محافظة تعز ، بمناسبة الذكرى الرابعة لقيام عاصفة الحزم ، وتأييدا للشرعية في عملية فرض الأمن وإخراج مليشيات العنف المتمردة من المدينة . وعلة هجومهم ! لماذا حمل متظاهرو الإصلاح لوحات التأييد مزينة بصور قادة السعودية والإمارات ، بينما يدركون ما تكنه لهم الإمارات من بغض وعداء ، حيث تصنفهم كأحد أجنحة خصمهم اللدود ً الإخوان المسلمين " . والواقع بالنسبة للباحث العدل ، أنه لا غبار ولا جريرة فيما قام به التجمع في تعز ، فهو ينطلق من حكم معتبر ، يدعو إلى تضييق طرق حدة الخصام وتوجس الشر ، وتقصير مسافة الشك وسوء الظن ، مع الجميع بمختلف تقييمهم له كتنظيم وفكر . وهذا ما سماه أهل العلم ( بالمداراة ) ، وهي ليست مداهنة ولا نفاقا . فالمُدَارِي لا يُضمِرُ الشر لأحد ، ولا يسعى في أذية أحد ظاهرا وباطنا ، ولكنه قد يظهر المودة وحسن المعاملة ليتألف قلب من يضمرون له السوء ، أو ليدفع أذاهم عنه وعن غيره ، دون موافقتهم على باطلهم ، أو معاونتهم عليه بالقول أو بالفعل . قال ابن القيم : " المداراة صفة مدح ، والمداهنة صفة ذم ، والفرق بينهما أنَّ المداري يتلطَّف بصاحبه حتى يستخرج منه الحق َّ، أو يردَّه عن الباطل ، والمداهن يتلطَّف به ليقره على باطله ، ويتركه على هواه ، فالمداراة لأهل الإيمان والمداهنة لأهل النفاق ) . وقيل لابن عقيل : أسمع وصية الله عز وجل ( ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ، وأسمع الناس يعدون من يظهر خلاف ما يبطن منافقا . فكيف لي بطاعة الله والتخلص من النفاق ؟ . فقال للسائل : " النفاق هو : إظهار الجميل , وإبطان القبيح , وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر . والذي تضمنتْه الآية : إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن " . فتبين من هذا أن النفاق إبطان الشر وإظهار الخير ، لإيقاع الشر المضمر ، ومن أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح ليزول الشر فليس بمنافق . وإلى جانب هذا الحكم النقلي ، فإن الحكم العقلي كذلك يدفع عن الإصلاح ما قذفوه به . فواقع الإصلاحيين في عدن يختلف عن واقعهم في تعز . فلئن رفعوا صور قادة الإمارات في تعز فذلك بإعتبار الظاهر العام لا المضمر الخاص لها ، فهي من دول التحالف ، الذي ظاهره الدفاع والتحرير ، ومهما اضمرت غير ذلك ، فليس لها في تعز حجم ما لها في الجنوب من نفوذ وسطوة .
- في عدن تم اغتيال وخطف واعتقال قيادات وأعضاء إصلاحيين ، في ظل وجود قيادة إماراتية متنفذة حاكمة ، تتبعها أذرعة تنفيذية لها . أما في تعز فلا يتعرضون لمثل تلك الممارسات الدموية الترهيبية ، حيث لا تملك الإمارات السيطرة الميدانية ، ووجود ذراعها " أبو العباس " في المدينة ، لا يوازي بنانة من أذرعتها الجنوبية المتمكنة . 
- في عدن تم اخماد جذوة الإرادة الشعبية ، ودفن معالم الحرية الوطنية ، بفعل ممارسات البلطجة والعنف ، والنهب والبسط ، والترهيب والاذلال ، التي تقوم بها قوات تقبع تحت وتد الخيمة الإماراتية . بينما في تعز مازالت تسطع شمس الإرادة ، وترتفع هامة الوطنية ، وتمثل ذلك في قدرة المكونات السياسية المعتبرة على تحريك الشارع ، وخروج الجماهير طواعية في مسيرة ملحمية .
- في عدن مكونات سياسية لا تسير وفق خططها ورؤيتها المستقبلية المستقلة ، وهناك مليشيات عسكرية لا تخضع لحكومة الشرعية . والكل ينصاعون - خوفا أو طمعا - لجهة معروفة ، تحدد توجههم وفعالياتهم ، وتصيغ قراراتهم وبرامجهم . أما في تعز فيلتزمون خط الشرعية ، ولا ينعقون متمردين خارج سربها القيادي .
- تلك هي سياسة التكتل ، والبحث فيها يختص بأهلها العارفين ببواطن الأمور ، والمتعمقين في قراءة ما بين السطور ، ولا يدلي فيها بدلوه كل من هب ودب ، وخاصة شُلل الفسبكة ، ومرتزقة الواتس . وهي عند بعض المختصين ، فن الممكن ، وليست فن المستحيل . ولكن في العمل السياسي الإسلامي ، يجب ان لا يكون هذا الممكن هو التسليم بالأمر الواقع ، والدوران في حلقات مفرغة داخل أفلاكه ، والتقاعس عن جدية الخروج منه ، والسعي لتغييره وفق منهج وسطي معتدل شامل . لأنَّ هذا الدوران الممغنط سيؤدي حتما إلى تقديم تنازلات جمة ، وإلى منحدر زلق خطر ، حيث لا يستطيع فيه القادة التوقف عن تقديم المزيد يوما بعد يوم ، بحجج استسلامية مسيرة ، ليس فيها رائحة المقاومة وحرية الخيار ، وستزداد التنازلات تقاطرا ، حين يكون الطرف الآخر شديد المكر ، عظيم الكيد ، ممسكا بيده مجلدا من أوراق الضغط ، لتحصيل المزيد مرة تلو أخري . هذا أمر يجب على قاطني رأس هرم الإصلاح أن يدركوه جيدا . فإنَّ اللبنة الأساس قد بدأ يداخلها دَوَخٌ ودوار وترنح من كثرة الدوران وشدة تعرجاته . ولئن سقط الأساس ، فقانون الجاذبية يرفض أن يبقى ساكنو القمة محلقين في الأعلى .
أبو الحسنين محسن معيض .