رهاب الإخوان في العقول المغسولة :
تستمع لعالم أو مثقف في مجاله وتخصصه العلمي أو الثقافي ، أو تنصت لشيخ أو داعية في حقله الشرعي ، فتعجب بشرحه واستدلاله وأدلته ، وتستفيد منه ، مثريا معلوماتك مما يقول ويطرح . وتتحدث عنه مع غيرك بإيجابية ثم يأتيك من يخبرك إنه ( إخواني ) . فيتحول كل ذلك في قفزة عقلية عجيبة نحو السلبية ، وبضغطة عصبية واحدة تبتعد عن متابعته ، وربما تبغضه وتحذر منه ، كونه حزبي ، مبتدع ، ارهابي ، عميل ، .... وغيرها من مفردات قاموسهم المشحون بالتشويه والتبديع والسخرية والبهتان . وأذكر رجلا كان يفاخر بحركة ( حماس ) ويشيد بمواقفها وبطولاتها ، ويدعمها بالمال والدعاء ، ثم علم أن مؤسسهم إخواني ، فنكص على عقبيه وأصبح صهيوني الإعلام .
وفي كل ماسبق وغيره ، حينما تثبت لهم بالدليل والبرهان من التاريخ والمشاهدة المعاصرة ، أن الإخوان ليسوا كما يتصور ويعتقد ، رغم ما قد يبدر منهم من خطأ بشري واجتهاد معذور ، إلا إنهم يأبون تقبل ذلك ، ويصرون على موقفهم من العناد والعداء . كل ذلك التحول في التفكير ، والتغير في المواقف ، هو نتاج دراسات استغرقت من قوى الظلام والشر عقودا من السنين لتجهيزها وإعدادها ، ثم تجربتها وتسويقها ، ليتم حشو الدماغ بها في سلسلة من الوسائل المختلفة واللقاءات المتعددة ، حتى تصبح بعد فترة زمنية عقيدة لا شك فيها عند المتلقي . وهذا ما اصطلح على تسميته بغسيل الدماغ ( Brainwashing ) ويقصد به تحويل الفرد عن توجهه وأنماط سلوكه وقناعته ، وتبنيه لقيم أخرى تفرض عليه من قبل جهة فردية أو جماعية ، أو تبعا لسياسة دولة ، ونظام حكم . ويندرج هذا المصطلح تحت مسميات مختلفة ، مثل إعادة التقويم ، وبناء الأفكار ، والإقناع الخفي ، وتغيير الاتجاهات . ويعتمد اليوم على الدعاية والإعلام ، والتي من أهم أدواتها دغدغة العواطف . حيث العاطفة هي المخاطب الأساس في الجانب الإنساني ، مع تكرار المحتوى مرارا ، لكي يتم ترسيخه في ذهن المتلقي . وكان الصحفي الأمريكي إدوارد هنتر ، أول من استخدم هذا المصطلح ، حيث نشر في سبتمبر 1950 مقالا لصحيفة أخبار ميامي بعنوان غسيل الدماغ ، وذلك على إثر الحرب الكورية وما طرأ من تحول في فكر الجنود الأمريكيين الذين وقعوا أسرى لدى الصين ، وقد عبّر عنه بأنه : " المحاولات المخططة ، أو الأساليب السياسية المتبعة ، لإقناع غيرهم بالإيمان والتسليم بمبادئهم وتعاليمهم" . وعبر عنه عالم النفس الهولندي جوست ميرلو الهولندي بمصطلح قتل العقل ( Menticide ) ، مشيراً إلى أن العملية توجد خضوعاً لا إرادياً وتجعل الناس تحت سيطرة نظام لا تفكيري . ومما سبق يتبين أن عملية غسل الدماغ تسعى إلى تجريد الفرد قسرياً من أفكاره وقناعته لتضع محلها فكرا وتوجها جديدا يخدم الطرف القائم بعملية الغسل . وهنا يتبين لك سبب عجزك في اقناعهم ، رغم ما تقدمه لهم من أدلة وبراهين ، ومشاهدات ووقائع . فمهما حاولت ستظل حماس عندهم تتحمل دمار غزة وقتل أهلها ، بتهورها في مقاومة جيش الاحتلال الغاشم المتفوق عليها سلاحا وعتادا . وهو نفس الدماغ المغسول الذي يحمل ( الإصلاح ) احتلال صنعاء لأنه لم يقاوم الحوثة ويدافع عنها . ولو فعل لحملوه - كحماس - ما يحدث من دمار وقتل ، ولجعلوه مكونا مليشيا إرهابيا يريد التسلق ليقوم بدور الدولة وأجهزتها العسكرية والأمنية . وقس على ذلك ، مئات الاغتيالات والاختطافات في عدن ، ومليشيات العبث والنهب وحماية المتنفذين ، هذا يتم التعايش معه في عقولهم المغسولة ، بينما دحر مليشيات تعز ، عمل ترويعي إرهابي إخواني لا يمكن السكوت عنه . وتتقبل تلك العقول المغسولة أن تستولي الإمارات على سلطة الجنوب وسقطرى والمنافذ البحرية ، وتجلب إلى عدن من تشاء من زمرة عدوان صالح والحوثي على الجنوب ، بينما انعقاد مجلس النواب في سيؤون جريمة وطنية وخيانة للقضية . وقس على ذلك أمورا جلية كثيرة .
إن غسيلهم مبرمج على رفض وتشويه مواقف الإخوان أيا كانت دون نظر في أبعادها وأسبابها وآثارها ونتائجها . حينما تناقشهم ، هل تستحق يد ( ناصر ) في حادثة المنشية إبادة الآلاف من كوادر وعلماء مصر والأمة الإخوانيين ؟! . وهل يعقل أن تكون حجة نظام سوريا الواهية ، مبررا لدك حماة على رؤوس ساكنيها ؟!. وهل يصح أن ينقلب العسكر على مرسي وهو من وصل للحكم بانتخابات شرعية ؟، بحجة الخوف على مستقبل مصر وأمنها ، بينما تعمل الحكومة السيسية بتبعية وعبودية لغيرها ، مفرطة في خير مصر وخيرة أبنائها ، وتسن القوانين والاستفتاءات التي تمكن له مزيدا من سنوات السلطة ، ومزيدا من القمع لأي صوت حر معارض . كل ذلك وغيره لن تجد عندهم صدى ايجابيا له ولا تفهما ، فهم قد تمت برمجة عقولهم على نظام محدد ، فلا يقبل إلا ما يتم تحميله فيه من قِبَل مصانعهم المتخصصة ، وتمت فرمتت قلوبهم على تردد معين فلا يقبل إلا ما يتم بثه فيه من قنواتهم الخاصة ، بعيدا كل البعد عن تدبر العقل ، وفقه القلب ، وميزان العدل .
أبو الحسنين محسن معيض .