الثورة بين الوعي وخيارات الغباء
بقلم/ أحمد ناصر حميدان
بين نجاح وفشل الثورات، تقف نسبة الوعي الاجتماعي والسياسي للثوار، الوعي الكامل يقدّم لنا ثورة ناجحة تحقق تطلعات وآمال الشعب، بكل فئاته ومشاربه السياسية والفكرية وأعراقه، ونصف الوعي- بالكاد- يقدّم نصف ثورة، بفوضى عارمة، تحاول أن تكون ثورة، وتحاول أن تكون انقلاباً، بينهم جحيم من الصراعات والمصالح والأنانية وتصفية الحسابات والأحقاد والضغائن، أما الغباء فيهد الثورة على رؤوس الثوار ليجعل منها انقلاباً، يتصدر مشهده العسكر والنفاق والطمع الذاتي والأنانية، وتبرز مراكز قوى من العدم همها كرشها وجشعها، ويجد المواطن نفسه ضحية، ولقمة صائغة لأعدائه.
في كل الانقلابات تحكم البلد مجموعة من الأنذال، والشرفاء والمناضلون في السجون أو منفيون، انقلاب واضح على القيم والمبادئ والأخلاقيات، انقلاب يجرف الحياة الانسانية والإرث والتاريخ ليصنع لنفسه بيئة تخصه لا حق فيها للآخر المختلف السياسي والاجتماعي ما لم يقبل أن يكون تابعاً مطيعاً مستسلماً لأمر واقع الانقلاب.
الحالة الثورية هيأت لنا الفعل الثوري، والفعل الثوري رؤية ووعي يحمل قيم ومبادئ التغيير الحقيقي لواقع أفضل ودولة وطنية تستوعب تطلعات وآمال الناس، ووطن يستوعب كل أبنائه متعايشين ومتحابين يضبط علاقاتهم نظام وقانون وينظم إيقاع حياتهم المتغيرة لتواكب متغيرات العصر والمرحلة لننهض كأمة بين سائر الأمم.
أين نحن من ذلك..؟ مناطقنا المحررة، لازالت تقبع في فوضى عارمة، والسبب انعدام الوعي وروية التغيير.. البعض يحمل مشروعاً انقلابياً على قيم الثورة، وكثرت المشاريع الانقلابية، التي تجعل من أصحابها سلطة أمر واقع، بالعنف والسلاح والمليشيات التي تحت أمرهم..
اليوم القائد، كبيراً أو صغيراً، قائد لواء أو مجموعة أو حتى في نقطة عسكرية، هو سلطة بحد ذاته،.. والمقاوم الغير واعٍ لدوره الوطني والإنساني في مقاومة الغزاة، يعتقد أن له الحق في السلطة التي تتشكل في المناطق المحررة.. قصر نظر لمفهوم الوطن والتحرير، والنصيب من الكعكة، لأن عقولهم محشوه بالمصالح والوهم، غباء جعلهم معاول تدمير وفوضى لوطن يتعافى، يحاول أن يستقيم وينهض.
لا تنهض الأمم بالعنف والسلاح، بل بالديمقراطي كخيار والمواطنة والحرية والعدل، بعد الفوضى والصراعات والحروب، تأتي تسويات سياسية، إذا فيها منتصر ومهزوم، فهي انقلاب عسكري يخضع الآخرين للاستسلام له..
والتسوية الحقيقية الناتجة عن ثورة شعب، هي تعبّر عن قيم وأخلاقيات هذه الثورة، تسوية بالضرورة تؤدي إلى دولة المواطنة والحرية والعدالة، والديمقراطية، دون استئثار بالسلطة والثروة واجتثاث الآخر، تسوية تقبل بالديمقراطية كخيار، والتعايش والتصالح والتسامح والعدالة الانتقالية لتحقيق العدالة الاجتماعية.. والقبول بالديمقراطية يتطلب القبول بأدواتها الأحزاب السياسية مع إصلاح بنيتها، بما يتماشى والتغيير، دون ذلك ما هي إلا شكل من أشكال الانقلاب مخضب بشعارات الثورة، لكن يرفض قيمها وأخلاقياتها ومبادئها، وهذا ما هو قائم اليوم في الجنوب الرافض للمكونات السياسية الأخرى التي تختلف مع نهج مليشيات الأمر الواقع, رفض أي تحالف وائتلاف سياسي يجمع الناس في حوار ندي عن المستقبل مضبوط بقيم ومبادئ الثورة ومنضبط بإيقاع الدستور والقوانين المعمولة، محاولة يائسة للسيطرة على الآخرين تدفع بالبلد لصراع سلبي مدمّر وحسم عسكري الكل فيه مهزوم وأولهما الوطن بغباء العقلية التي تتمسك بهذا الخيار.