الى متى سنتقاتل ؟!

2019/06/29 الساعة 02:10 مساءً

واقعنا البائس الذي نشكو منه اليوم هو نتيجة طبيعية للعنف الذي فجر حربا , وجعل ارضنا خصبه لإنبات  مكونات طارئة مشوهة , تسيطر على المشهد , وتفرز فيه ثقافتها وافكارها ونزعاتها العفنة .
ويبقى العنف هو سيلة القوى التقليدية المتخلفة , وسيلة النافذين واصحاب المصالح , والقوى المشوهة من تراكمات الماضي وماسيه , يبقى العنف يفرز مزيدا من العفن , ما لم يجد مواجهة حقيقية من عقول نيرة ونفوس متسامحة وارواح طموحه في مستقبل مستقر وامن متعايش متنوع , لحياة سعيدة خاليه من المنغصات .
الى متى سنتقاتل ؟ سؤال يردده العقل اليوم , وهل يكفي ما اصابنا من صراعات وحروب دمرت حياتنا وجرفت بيئتنا من كل جمال وفسيفساء الحياة الطبيعية .
عندما تنظر لحركة الحياة وتشاهد حجم الزحام امام كلياتنا ومدارسنا ومعاهدنا , تشعر بالفخر ان فرص تأهيل العقل متاحة , وان الدولة مهتمة بالتنمية البشرية , وتنمية الانسان والجيل الصاعد المعني بالمستقبل المنشود ,وتشعر بالأمل والتفاؤل , ان المجتمع يبنى على اساس العلم والمعرفة التي تصقل العقل ليحق الحق والخير.
وفي الواقع تصطمك بعض مخرجات هذه الكليات , تحاورها وتقرأ لها وتسمع افكارها , فلا تلتمس فيها شيئا من التأهيل المحترم للإنسان من مواقف واختيارات مشرفة , بل تجده مجرد فهلوي يبحث عن مصالحه ومجرد موظف يسعى لتحسين مصدر دخله ولو بالطرق التي لا تناسب مستواه التعليمي , تتفوق فيه تعصباته المناطقية والعقائدية , فيتحول مجرد اداءه للترويج للعنف والتخلف والشطح والتهور والكراهية والعنصرية  , اداءة بيد القوى التقليدية المتخلفة , بعقلياتها العسكرية او القروية التي تشعر بالأفضلية عن الغير , بالتمايز العرقي والمناطقي والطائفي , بقوى قادمه من اغوار الماضي البائس مثخنة بالثارات تتطفل على حاضرنا بصفة سياسي فارغ المعنى , لا يحمل مشروع وطني ولا انساني بقدر حرصه على الانتقام , واستدعاء الماضي , وزيادة حجم التراكمات والشروخ الاجتماعية والوطنية والفوضى العارمة التي يعمل من خلالها لتمرير مخططات تدميرية لخدمة اطماع اقليمية ودولية .
العبرة بالنتائج , والنتيجة المتوخاة من تأهيل الانسان كانت عكسية , تحول بعض المتعلمين لمجرد ادوات تخدم القوى التقليدية  المتخلفة والمثخنة بالعصبية والانتقام والعنف فتصدرت المشهد وتحكمت بالواقع , وصارت المؤثر الرئيسي , والبقية مجرد ادوات تساهم في رفع شأن تلك القوى , تروج لها وتصنع منها ابطال ومغاوير , قائد معتوه يطاع وصنم يعبد , فترفع له اللافتات التي تحجم الاقزام , وتصنع من التافه زعيم , وتحصنه من النقد والتقييم , وتبدا صناعة  المستبد الجديد ما يقوله قران منزل وآيات تمجد , وعبر ودروس يجب ان تحشى بالعقول لتكن برنامج عمل , برنامج يرسخ العصبية والتخلف والتأزيم ويؤجج الصراعات ويشعل فتيل الفتن والحروب , واذا بنا في ورطة التخلف والعصبية التي تقودنا للمهلكة تنقلنا من صراع لصراع ومن حرب لحرب ومن كارثة لكارثة , ومن يفكر في التغيير , يفكر في التكلفة التي يحتاجها  تغيير معتوه ومتخلف ذاق حلاوة السلطة ونعيم الثروة واصيب بالغرور , متمسك بالكرسي ومحمي بميليشياته المسلحة . 
هذا هو الواقع الرديء برداءة المخرجات والمصلح الضيقة , والمكونات الطارئة التي اوجدتها الحرب , فلا تستغرب من تغييب العقل والمنطق واقصائهما , سيناريو يديره مخرج , يختار اللاعبين بهدف الاضعاف لا التمكين , وبسهولة يدير العملية , دون عقول تواجهه , تغرير واشاعات وصراعات جانبية لخدمة أطماعه , سهولة التبعية  والتفريط بالسيادة والارادة .
وهل عرفت ايها المسكين لماذا تحارب العقول والوعي وقوى الثورة الوطنية , والمشاريع الكبيرة , لأنها العائق امام مشروع الاطماع , مشروع البسط  على الاراضي والمؤسسات الحيوية ومصادر الثروة والايراد , بعذر انا دمائنا امتزجت في الجبهات , وهو اقبح من ذنب عندما يكون الثمن وطن وسيادته وارادته , عندما يحرم  نصف ابناء البلد من اراضيهم لإرضاء غرور النصف الاخر , ويحقن المجتمع والوطن بالصراعات والفتن ما ظهر منها وما بطن ,وصارت الحرية والاستقلال مجرد قلادة في صدر من ينتهك حرية واستقلال البلد وابنائه , ليبقى وطن منهك حرب يتأكل ذاتيا , ويتخلص من العقل القادر على ان ينتفض على مثل هكذا واقع مخزي وكل من يقول كفى حرب , حافظوا على الوطن وسيادته وارادته , لنكن امة محترمة بين الامم .
احمد ناصر حميدان