هذا تتمة مقالنا السابق " جبر الخواطر يا إصلاحنا الشاطر " , وفيه أُبينُ لمن ظنوا أن مقال " المتفلتون من الإصلاح " دليل تفكك وبلبلة في الصف الإصلاحي , وعلامة تفتت في التنظيم الحركي . فأقول لهم لقد خاب ظنكم , فلدينا في الإصلاح ما لا تملكونه من الأسس وما لا تدركونه من الجذور .
ـ لدينا نظام تنظيمي داخلي مُعتبر , وهيكل إداري وقيادي مُقرر , وهيئات ومجالس ودوائر , تتحرى باجتهاد وبعد نظر ما يدور حولها دون غلو ولا تسيب . ولها نحتكم لا إلى غيرها من الرغبات والأهواء , ولا إلى شللية التكتلات ومناطيد الأسماء .
ـ لدينا رؤية واضحة ورسالة سامية ووسائل مشروعة فاعلة , ومنهاج تربوي تثقيفي شامل , يفقه متطلبات العصر وتحدياته , وأبعاد النوازل المستجدة وأثارها . ولذا فإن ما يُقال ويُكتب هو لفت نظر ورسائل تنبيه نحو تصرفات لا ترقى لمستوى الاصطفاء المطلوب , أو مواقف ـ نراها ـ لا تخدم رسالة الجماعة المقدسة وتميزها النقي , أو لبروز ظواهر سلبية نبتت في خشاش ظروف عصيبة . وكل ذلك ـ مطلقا ـ لا يمس جذور الثوابت الفكرية والتربوية التي نبتت منها شجرتنا الطيبة , ولا يخدش أصلها الثابت وفرعها السامي .
ـ لدينا مساحة من الحرية لقول ما يعتمل في النفس , ولو كان قاسيا في حروفه , شديدا في عباراته . حرية مكفولة بحسن ظن الناقِد وسعة صدر المُنتَقَد , ومحمية برباط أخوي , زبر حديده سلامة الصدر من الأحقاد . حرية سُقيت من نبع منهاج تربوي شرعي , نتعامل به فيما بيننا خاصة , ومع الناس عامة , فلا تخوين ولا تسفيه ولا فحش ولا غلظة . وكم شهد مخالفون لنا بحسن ردنا تجاه ما ينشرون من قبيح القول ضد الإصلاح ومواقفه ورجاله .
ـ لدينا ثقة متبادلة وراسخة متصلة من اللبنة الأساس نحو الأعلى , وموصولة من الرأس نحو سائر مراتب التنظيم . بها يدرك الأدنى إخلاص الأعلى في تحمل مسؤوليته بما يحقق الصالح العام والخاص , ويفقه الأعلون حمية من يلونهم ووجاهة نقدهم وحجية مطالبهم . وبالثقة يدرك الجميع أن هناك عوائق فرضتها عليهم تحديات قاهرة , أدت إلى فراغ جزئي في سلسلة الاتصال والتواصل والشورى , والمتابعة التربوية والتنظيمية والاجتماعية المطلوبة .
ـ لدينا إدراك عميق للعمل الجماعي وآلياته وصعابه ومشقاته , وما يتطلبه من صبر وجهد . القيادة عندنا تكليف لا تشريف , والقائد مهما علا وسطع فهو جندي بين أخوانه . وأن الجماعة ليست ملكية خاصة لأحد , بل هي حاضنة لكل من آمنوا برسالتها وأهدافها . وليس فيها متنفذ ولا مسؤول يملك حق إقصاء ( أخ ) عنها مهما بدر منه من قصور وفتور , أو حمية وحماسة . في الجماعة لا يهم حجم القائد ( س ) من السيادة , ولا موقع المسؤول ( ص ) من الريادة , نحن وهم جنود حول رسالتنا , نلزم غرز الجماعة , ونغسل أدران النفس على ضفاف نهر الإخاء .
ـ لدينا شجاعة للاعتراف بالقصور والتقصير , نقر بأننا لسنا ملائكة , بل بشر خطاؤون , فينا محب الدنيا والشهرة والتلميع , وغيرها من شوائب " ونفس وما سواها ". ولذا ندرك مدى حاجتنا للنصح وإثراء الرأي والنقد البناء , فنصحح ونسدد ونقارب .. كي يظل الإصلاح قائدا ساميا بدعوته , خادما متواضعا لغايته , ثابتا على دربه في خدمة الإسلام والمسلمين , يعانق الثريا في الشموخ ويفوق الجبال في الرسوخ , ماضيا نحو التمكين لهذا الدين .
ـ لذا فلتربع على نفسك أيها المخاصم الألد والمخالف الضد , فإن من ذاق خليط ملوحة ( الجبنة ) وحلاوة ( الطحينية ) في أنشطة الإصلاح الدعوية وحلقاته التربوية الأخوية , لن تؤثر فيه مرارة موقف ولا حموضة قرار . وإنه ـ بحفظ الله ـ لن يتفتت صف يقوده ( الفهم ) , ولن يزول بناء أساسه ( عشرون ) وأركانه ( عشرة ) .