تمكنت القوات الحكومية اليمنية من السيطرة بسهولة-خلال اليومين الماضيين-على مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة شرق اليمن، تماماً كما تمكنت قوات المجلس الانتقالي من السيطرة بيسر-قبل أكثر من أسبوعين- على مدينة عدن التي اتخذها الرئيس اليمني عاصمة مؤقتة، جنوب البلاد.
وبالسيطرة على عتق ومحافظة شبوة كلها، تكون الشرعية قد أبعدت مقاتلي المجلس عن منابع النفط في شبوة وحضرموت، وأحرزت نجاحاً بالسيطرة على ميناء بلحاف الاستراتيجي.
والآن، على الشرعية أن تعي أنها إذا رجعت لعادتها القديمة في التباطؤ بعد كل معركة، فإن مزاج الناس سوف يتغير ضدها، على الرغم من أن المزاج قد تغير بشكل لافت ضدها خلال الفترة الأخيرة، لأسباب منها ما يرجع إلى أدائها، ومنها ما يرجع إلى طبيعة علاقتها مع التحالف.
يجب ألا تكتفي الشرعية بالحضور الشكلي في شبوة، وغيرها من المناطق، ولكن عليها ترتيب تبعات الحضور على المستويات الخدمية والأمنية، دون الاكتفاء بالحضور العسكري.
وباختصار فإن الحضور هنا يعني التخلي عن الأسلوب المعتاد للشرعية في التعامل مع الأزمات.
على الصعيد الشخصي، أؤمن بأن معركة شبوة معركة جانبية، ما كان لها أن تكون، وأن المعركة الأصلية يجب أن تتجه شمالاً باتجاه المناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون الحوثيون، ولكن ما كان في الإمكان منع اندلاع المعركة بسبب طيش بعض قادة الانتقالي، الذين لم يستمعوا إلى شخصيات كبيرة نصحتهم بالتريث، وعدم اعتماد الحسم العسكري وسيلة للحوار، وبسبب غياب الشرعية عن شبوة، وعن غيرها من المحافظات خارج البلاد لفترة لم تعد معقولة ولا مقبولة ولا مبررة.
وعلى الصعيد الشخصي-كذلك-أصر على ضرورة التفريق بين المجلس الانتقالي والحوثيين، نظراً لسهولة التعاطي السياسي مع المجلس، على عكس الحوثيين الذين يعدون جماعة دينية أحادية الرؤية، لا تؤمن بالحوار ولا بالشراكة إلا بالقدر الذي يحول شركاءها إلى موظفين يعملون على تنفيذ خططها وبرامجها.
وعليه، يجب استيعاب الانتقالي سياسياً، في شراكة حقيقية، وعلى المجلس التخلي عن الأفكار الشعبوية التي يعبر عنها في شعارات مثل: "مقاومة المحتل، ومكافحة الإرهاب، واستقلال الجنوب"، الذي وإن آمن به فإن وسائله الحالية لن توصله إليه، نظراً لتعقيدات يدركها أولئك الذين يطلقون الشعارات المبهرجة لدغدغة مشاعر الأتباع.
كما أن على الانتقالي أن يتخلى عن وهم تمثيله للجنوب كاملاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لديه حضوره الذي لم يفرضه نظراً لما قدمه للناس من خدمات، ولكنه اكتسبه نظراً لعدم تمكن الدولة من تقديم تلك الخدمات، ناهيك عن استعماله السلاح، ومصادرة حقوق المعارضين، واحتكار تمثيل الجنوب بالقوة.
وفوق ذلك، تقع على الدولتين المحوريتين في التحالف (السعودية والإمارات) مسؤولية العمل على منع عناصر الصراع داخل المعسكر المضاد للحوثيين من التصعيد، لأن استمرار الصراع لا بد أن ينتهي بنا إلى انتقالي مدعوم من الإمارات وشرعية مدعومة من السعودية، وهذا يعني في حال استمراره نهاية عملية للتحالف.
يعني ذلك ببساطة أن يكون العمل على الأرض منسجماً مع الأهداف المعلنة للتحالف، ويعني ذلك أن إصلاح الشرعية لا يمكن أن يكون بإيجاد البدائل لها، وإنما بالعمل من داخلها لتستوعب كل المكونات الوطنية المؤمنة بضرورة إسقاط الانقلاب في صنعاء.
وإذا كان التحالف اليوم أو الإمارات بالإضافة إلى أطراف يمنية تشكو من سيطرة حزب الإصلاح على الشرعية، فإن معالجة ذلك تتم بطرق غير الطرق التي يمكن أن تؤدي إلى إسقاطها.
كما أنه من المهم أن يعرف الإخوة في الإمارات أن الإصلاح مكون سياسي يمني لا يمكن إلغاؤه، وأن واحداً من أهم تفسيرات تصرفاته التي يشكو منها خصومه، هو شعوره بالخوف على مستقبله في ظل استهدافه مادياً ومعنوياً، الأمر الذي يجب أن يتوقف، طمأنة الإصلاح بأنه لن يكون مستهدفاً، لا اليوم ولا غداً، ضرورية لضمان شراكة حقيقية في الشرعية.
وبذا يكون من واجب التحالف دعم الشراكة داخل معسكر الشرعية، وليس التخلص منها، وهو ما يعني-حال حدوثه-نهاية لمشروعية وجود التحالف في اليمن، من الأساس.
والخلاصة: الشراكة الحقيقية تعني ضمان مصالح جميع الأطراف في التحالف والشرعية، وطمأنة جميع الأطراف، واستعادة ثقة الأطراف كما كانت عند اللحظات الأولى لانطلاق عمليات التحالف.
ومصالح الجميع تكمن في يمن خالٍ من جميع المليشيات التي لا يمكن أن تضمن مصالح أحد، في غياب مشروع الدولة اليمنية الحديثة المنشودة، التي تضمن مصالح الأطراف المختلفة داخلياً وخارجياً.