يتكبد اليمني أوجاع الغربة والبعد عن الأرض والأهل مجبورا، بحثا عن ما يفتقده في وطنه الأم، يغترب من اجل لقمة العيش او الدراسة او العلاج.
نحن والحمد لله في مرحلة التقاعد بعد مسيرة عمل طويلة، وتاريخ من العطاء المثمر، وثمراتنا في الانسان، منهم الموظف والطبيب والمهندس، وصل بعضهم لمصدر القرار والسلطات الرسمية، حاجتنا هي العلاج، وبلدي تفتقد لخدمات علاجية متطورة، وإن وجدت في المستشفيات الخاصة، بتكاليف باهضه، وابتزاز وطمع، ومستشفيات عامة تفتقد للإمكانيات، وتكثر في بلدي الأخطاء الطبية الكارثية، فكان الخارج هو المجال الأفضل للعلاج.
وبما أننا في زمن لا قانون ولا نظام، فدعم الدولة للعلاج بالخارج يحتاج لمحسوبية، و يا سعد من يصل لتعليمات من فلان او زعطان، عبر فلان وفلتان، ورغم ان العلاج حق، فلا قيمنا ولا أخلاقيتنا تسمح لنا بتسول هذا الحق امام مكاتب ودواوين المسؤولين، وبما ان الكثير من قائمة المنتظرين لعلاج الدولة نهشت الأمراض أجسادهم وتوافهم الله، بعضهم تكرموا علية ببيان عزاء والبعض الآخر مات بهدوء دون إزعاج للسلطات، فاضطرتنا تلك الظروف للاعتماد على الراتب الشحيح، والله يخلي الهكبة، وحريم زمان.
اليوم أنا وأسرتي في الهند للعلاج، و في مدينة بونا الهندية، والحمد لله استكملنا العلاج وبتوفيق من الله وتطور الطب في هذا البلد الرائع، المتعدد الأعراق والعقائد والعبادات، في هذا البلد المتعدد اللغات، والغني بالإرث الإنساني والديني، تنقلت بين بومباي وبونا و اورنج اباد، وجدت تاريخ إسلامي عريق، وتعايش مع الأديان الأخرى والثقافات المختلفة بسلمية وتقبل رائع، جعل من تلك المناطق ثرية بالأفكار الانسانية النبيلة، هذه الصورة التي شاهدتها بأم عيني ولمستها بإحساسي، وتنقلي في شوارع وأزقة تلك المدن، وجذبني تقبل الناس لبعضهم بعض، رغم اختلاف القناعات والايمان، الكل ملتزم بعقد اجتماعي ينص على التعايش، ولا احد وصي على احد، الحساب والعقاب عند الله و بنصوص القانون والنظام المتفق عليه.
الصورة الأخرى للتصفيات العرقية في ضواحي دلهي وكشمير هي صورة قبيحة لم أشاهدها والحمد لله، وتشكل خطر على هذا التعايش والتوافق والتنوع الجميل، مهما اختلفنا مع بعضهم عقائديا وفكريا، نحن ننظر للصورة العامة والنتائج، التي تقدم لنا صورة جميلة لتعايش رسولنا العظيم عليه الصلاة والسلام مع الأديان الأخرى والوثنيين، والتعامل والعلاقات بين الناس وفق التعايش والتسامح والحب والسلام.
نحن نفتقد للصورة الأولى، ونمارس الصورة الثانية و مع أننا أمة مسلمة، نعيش في ارض مسلمة 100%، ومزقتنا الفتن لطوائف وسنن ومذاهب، نضيق ذرعا بالأخر، بأفكارهم ورؤاهم، نخونهم ونتهمهم، ونحرض ونحشد ضدهم، وكل ذلك من أجل الوصاية والاستئثار بالسلطة والثروة، تمزقنا لمناطق وهويات ومذاهب نختلف من اجل نتقاتل، لا من اجل ان نتوافق على نقاط مشتركة تجعلنا متعايشين بسلام، لم تستوعبنا مدن اليمن، أريد لصنعاء أن لا تقبل غير طاعة الإمام، وترديد شعار الموت، والتضرع للأولياء، وتقام فيها ولائم الحسينيات، ويمثل حضورها صك وطني، ويراد لعدن أن تكون جنوبية بمزاج مناطقي، تتعرى من هويتها اليمنية الأصيلة، لتلبس هوية مزورة صنعها الاستعمار يوما لتكن خنجرا يمزق هويتنا لشتات وفتات، لنكن تابعين لرعاة وأدوات هذا المستعمر, وعندما يبدا التمزق لا يتوقف عند حد، بل يستمر في تغذية شريانه بمبررات، بكم هائل من الكراهية والمناطقية، لتجعل عدن رافضه للأخر منفره للأفكار والثقافات، متهيئة لحالة الانسلاخ من جذورها واصلتها وارثها وثقافتها، لتكن تابع لجماعة دون غيرها، تحكمها بما تملك، ولا تملك غير البندقية، والطقم العسكري، وعقلية تؤمن بالعنف، وفي حالة العنف لا حرية ولا استقلال، بل فرض واقع على الجميع تقبله او الرحيل عن الوطن والحياة.
كثيرا هي إشكاليات اليمني في خارج وطنة، إشكاليات الطلاب والمبتعثين للدراسة وحقوقهم الضائعة والمحسوبية، والطلاب المشتغلين كمترجمين ومبتزين للمرضى، واليمنية واحتكارها وخدماتها الرديئة وعدم الاحترام لليمني كشركة وطنية، واليوم نتعرض للحجر الصحي، ومتاعب اليمنية والعودة للبلد، والخوف والقلق من الإفلاس خارج الوطن، ونحن رعايا البلد الوحيد الذي لا يهتم، ولا يعلم بمصير رعاياه، وننتظر دعم دولة شقيقة.
مرضى وجرحى ومعوقين منتظرين في حجر صحي والفرج والعودة لأرض الوطن الغالي رغم المحن.