انتقالي .. وإلا .. !!.

2020/06/13 الساعة 01:34 صباحاً


عبدُالله بنُ سلام من علماءِ يهود بني قَيْنُقَاع . أسلم مَقْدَمَ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينة . وعندها قال : يا رسولَ اللهِ إنَّ اليهودَ قومٌ بُهتٌ ، وإنَّهم إن يعلموا بإسلامي بهتوني ، فَسَلْهُم عني . فأرسلَ إليهم ، فقال : أيُّ رَجُلٍ ابنُ سلامٍ فيكم ؟ قالوا : حبرُنا وابنُ حبرِنا ، وعالمُنا وابنُ عالمِنا . قال : أرأيتم إن أسلمَ ، تُسْلِمون ؟ قالوا : أعاذه اللهُ من ذلك . فخرجَ عبدالله ، فقال : أشهدُ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدا رسولُ الله . فقالوا : شرُنا وابنُ شرنا ، وجاهلُنا وابنُ جاهلِنا ، وَانْتَقَصُوهُ ... فقال : يا رسول الله ، ألَمْ أخبرك أنَّهم قومٌ بهتٌ . وهكذا ! كلما أسلم نفرٌ منهم ، نشر مجلسُ الأحبارِ هذا التعميمَ " ما آمَنَ لمحمدٍ إلا شرارُنا ، ولو كانوا من أخيارنا لما تركوا دينَ آبائِهم " . ويَتَّهِمُونهم بالخيانة " لقد خنتم حين استبدلتم بدينكم دينا غيره " . فيتلقفُ التوابعُ هذا ، فيكيلون لهم القَدْحَ بعد المدح ، والخيانةَ بعد الأمانة ، والتحقيرَ بعد التوقير ، والتهديدَ بعد التمجيدِ . ويبين اللهُ كذبَ هذا التعميم ، وزيفَ تلك التهم " لَيْسُوا سَوَاءً " .
منهجُ اليهودِ هذا تَقَلَّدَهُ اليومَ أقوامٌ من بني وطننا ، نتشارك الدين واللغة ، ولكن نختلفُ في فهم المقاصد والوسيلةِ ، وفي فقه الولاءِ والبراء . فتراهم يوآدُّون ويوالون كلَ من تلبسَ غايتَهم ورفعَ شعارَهم ، ولو كان ممن حَآدَّهم بالأمس وشاقَّهُم ، وكان لهم ألَدَ الخصامِ . وبالمقابل يشتمون ويُخَوِنُون ويهددون كلَ من نقدَهم وعارضَهم ، وكشفَ سوءَ أفعالِهم ، ودمويةَ وسائلِهم وشرَ تبعيتِهم ، ولو كان ممن رفعوه على الأعناقِ بالأمس ، وقدسوه بالسمع والطاعةِ . لقد كان ( عدن الغد ) منبرا إعلاميا للجنوبيين ، وصاحِبُه رمزا مدافعا عن قضيتِهم العادلة . فلما تَمَهَّدَ الأَمرُ للانتقالي ، ونَصَّبَ نفسَه الممثلَ الوحيدَ للجنوبِ ، وبانَ للجميعِ تخبطُ إدارةِ مجلسِهم ، وسوءُ تصرفاتِ قادتِهم ، وقبحُ مخطط راعيِهم ، وفوضى جندِهم وناشطِيهم ، وما ألحقوه بالناسِ وعدنَ من قهرٍ وقتل ونهبٍ وبسط ، قامَ ( ابنُ لزرق ) بما يمليه عليه واجبُه ، نُصحا رَشَداً ، ونقدا هادفا ، فأحالوه من مناضل إلى عميل ، ومن مؤتمن إلى خائن ، فَشَّهَروا به أيَّما تشهير ، وكالوا عليه من سفيهِ الألقابِ وغرائب التُهَم ، وبات مهددا بالاعتقال أو الاغتيال . وَقِسْ عليه النوبةَ وباعوم والغريب والبجيري وشفيع والربيزي واليزيدي ، والقحيم والمصعبي ، وكثيرين في كلِ محافظةٍ ، ممن كانت لهم بصماتٌ رائدة في منطلق الحراك ، وتنظيم فعالياته . فأين هُم اليومَ اولئك القادة والرموز ؟ ، وأين المُخلِصون في المليونيات ؟ . لقد جاء الانتقاليُ خصيصا ليضعَهم على الرفوف ، بعد إن كانوا منابرَ ثورةٍ مُكَرمةٍ . فمابين خاينٍ ومأجورٍ ، وبين صامتٍ ومقهور ، وبين حائر لا يفقه ما يدور ، وبين مطرودٍ ومهدور ، هكذا صنفوهم وفعلوا بهم . فَخَلَتْ لهم الساحةُ ، فأصبحوا رجالَ الساعةِ ، يديرون الدفةَ عكس عدالةِ القضيةِ ، ويرفعون الشراعَ ضد مسار الوطنيةِ ، ويوجهون السفينةَ نحو الصخور المدببةِ والأمواجِ العاتية ، وعليك أن تثقَ أنَّهم طوقُ النجاةِ وروادُ الحريةِ . وإيَّاك أن تقولَ أنَّهم غجرٌ وهمجية ، أو تابعو دولةٍ أجنبية ، أو شِلةٌ مؤتمرية ، كي لا يمزقك صاروخٌ موجه ، أو يدهسك طقمٌ مرقط ، أو يغتالك مسدسٌ كاتم ، أو يحتويك قبوٌ مظلمٌ ، أو يلحقك ذمٌ وشتمٌ . عليك أن تصفقَ مؤيدا ، أو تصمتَ مُستَعبَدا ، أو تهاجرَ مُطارَدا ، أو تغردَ رويدا . فإنَّ الوطنيةَ - عندهم - أن تكونَ مع الانتقالي ، وإن تجرعت منه علقما ، فلتهتف طرباً " حالي يا محبوب .. والله حالي " .
أبو الحسنين محسن معيض