:
يؤكدُ الأتراكُ ، بمختلف شرائِحِ مجتمعِهم ، وتعددِ أحزابهم ، واختلاف أفكارِهم ، وقوفَهم قلباً موحداً بجانب قيادتِهم في حمايةِ حقِهم السيادي والتاريخي في النزاعِ مع اليونان ومن يقفُ خلفَها . تلك أُمةٌ تفقَهُ معنى الوطنيةِ ، فتَوحدت ضد مَن يهددُ سيادتَها ، ويطمعُ في أرضِها وبحرِها . وبقدر ما زادني هذا الموقفُ منهم إعجابا ، تلبسني خجلٌ وقهرٌ ، وأنا أقارنُ الموقفَ التركي الجامعَ ، بموقفِ قوانا بكافةِ مسمياتِها وتوجهاتها السياسية والوطنية . كيف فَرَّطَ كلُ طرفٍ منهم بسيادةِ وطنه ، وأرواحِ شعبه ، لصالح دولةٍ هنا ونظامٍ هناك ؟ ، مقابلَ دعمٍ كرتوني وحمايةٍ بلاستيكيةٍ له ، ليحققَ مكسبا جزئيا في سلطةٍ محدودةٍ تتبعُ كلياً توجها خارجيا . كيف طاوعتهم وطنيتُهم جميعا ، حوثةً وشرعيةً وانتقاليين ، أن يرهنوا إرادتَهم لِمَن أثبتت الوقائعُ أنهم لا يريدون خيراً بنا ولا أمناً لنا ؟. كيف قبلت نخوتُهم أن يكونوا مجردَ أدواتٍ تنفيذيةٍ لأجنداتِ دولٍ ، لم يعد خافيا مخططُهم التدميري للبنيان والإنسان . عن ماذا أكتبُ اليومَ متباهيا بهم ؟. عن شعبٍ مزقوه فرقا وطوائفَ تحت رايةٍ هنا وهتافٍ هناك ؟ ، حتى باتَ لا يبالي أن يتجزأَ الوطنُ تبعاً لأي دولة كانت ، مادام وهو يظنُ - مستغفلا أو متعمدا - أنَّها ستحققُ له أحلامَه . أم أكتبُ عن جيشٍ تدمرَ بنيانُه ووهنَت عظمتُه ؟. كفاءاتٌ وقيادات مؤهلةٌ أُزيحت ، وحلَ محلَهم مدنيون ، يقاتلون بسالةً وحميةً ، حازوا رُتَبا عاليةً ورواتبَ بعملةٍ أجنبية ، فلقرارِ مَن تراهم سيرتهنون ؟! . لدينا جيشٌ وطني ومليشيا انتقالية ولجانٌ حوثية ، يتنازعون الأمرَ بينهم ، يتقدمون ويتأخرون ، يهجمون وينسحبون ، مسيرين تحركهم دولٌ وفقَ مخططِها المرسومِ لنهبٍ منظمٍ واحتلالٍ ممنهج ، وهُم يزعمون أنَّها داعمةٌ لهم !. أم أكتبُ عن ثلاثِ مكوناتٍ سياسية ، وثلاثةِ رؤساء ، يشهدون يوميا جرائمَ لا يتقبلها وطنيٌ غيورٌ ولا مواطنٌ غِر ، فتأتي ردةُ فعلِهم ( ما لِجرحٍ بميتٍ إيلامُ ) . أم أكتبُ مقهورا عن التحالفِ ، الذي امتطى ظاهرا حصانَ طروادة ، رافعا راية الحريةِ وحمايةِ الشرعيةِ ، وفي جوفه مَخفيا دسَ أهدافَه التي لا تمت للحرية بِصِلَةٍ ولا للحماية بواصلة . فأخذَ يؤججُ الصراعَ بزيادة لاعبي النزاع ، ويدعمُ كلَ تمردٍ وشقاق ، ويمنعُ التقدمَ نحو صنعاءَ ودخولَ الحديدة وعدن ، ومَن تجاوزَ الخطَ المحددَ تم تلقينه بالطيران درسا في واجبِ الطاعةِ وضوابطِ التبعيةِ ، محذراً ! أنا راعيكم ، أدفع رواتبَكم وأقررُ مصيرَكم ، وأمرُكم كلُه إليَّ .
اليومَ سقطرى إمارةٌ إماراتية ، يبني فيها ما يشاء ، ويؤجرها لمن يشاء ، ولو كان صهيونيا لدودا . المهرةُ تتحكمُ فيها السعوديةُ ، يقتحمُ المواقعَ ويشقُ الأرض كيفما شاء ومتى أراد . ثروةٌ يتم نهبُها ، حدودٌ يتمُ محوها ، شعبٌ يتمُ وأدُهُ بلا إنسانية ، قتلا واعتقالا وجوعا وفقرا .
اليمنُ علمٌ لا سكونَ لخافقِه في ملاحمِ سِفرِ التاريخِ ، واليمنيُ نجمٌ لا خفوتَ لنورِه في أحداثِ الليلِ والنهار ، فكيف تتطاولُ ذيولُ التاريخِ على طي علمِه الخفاقِ وكسفِ نورِه البراقِ ؟ . أتحرجُ أن أقولَ خيانتُكم السبب ، ولكن أقولُ غفلتُكم ومداهنتُكم فحسب . اليوم ألا يتقاطرُ جبينُكم حرجا حين يشارُ إليكم أنَّكم أصلُ العربِ وسندُ الفتوحات وقاهرو الغزاة ، وانتم قد فرطتم في الأرض والعِرضِ ، وتنازلتم عن القيادة والسيادةِ ، وخذلتم الأمةَ . لقد آنَ لكم أن ترجعوا عن غَيِكم وتجمعوا كلمتَكم ، وتصونوا أرضَكم وتحموا إرثَكم ، فإنَّ عدوَكم الحقيقيَ قد سادَ فيكم وتولى عليكم ، وإنَّه لا يَرقُبُ فيكم إلاً ولا ذمةً ، ولا يريد بكم خيرا ولا رحمةً . فهل بقيَ فيكم شيءٌ من نخوةٍ وهمةٍ ، تصونون بها سيادةَ وطنِكم وحقوقَ أهلِكم ؟. وإنَّا لنهضةِ عزيمتِكم منتظرون . فلا يطولَنَّ ترقبُنا ليوم ( ذي قارٍ ) أيُها المُخلَصون .
أبو الحسنين محسن معيض