أصدرت ما يسمى بـ"هيئة كبار العلماء"، في السعودية في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بياناً أكدت فيه أن جماعة "الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية منحرفة عن الإسلام، كما حذّرت منها ومن التعاطف معها، وعلى إثر بيان الهيئة توجّهت المنابر الدِّينية والإعلامية في السعودية إلى شيطنة "الإخوان" والتحذير منهم، ومن المؤكد أن الدور القادم للمملكة هو الحرب على القوى الإسلامية السنيّة، وفي مقدمتها جماعة "الإخوان"، فهل سينعكس هذا التوجّه على علاقة السعودية بحزب "الإصلاح" اليمني، المحسوب على جماعة "الإخوان"؟
وهل حان الوقت لتتخلص السعودية من حليفها الأبرز في حرب اليمن؟
وما هي الخطوات التي يمكن أن تتخذها السعودية ضد "الإصلاح"؟
وما التداعيات السلبية على اليمن ومستقبله في حال قررت السعودية توجيه الضربة الأخيرة للإصلاح؟
وأين موقف "الإصلاح" مما يحدث؟
تساؤلات سنحاول الإجابة عليها في هذا التحليل:
نهاية "تحالف الضرورة"
رغم تبرؤ حزب الإصلاح من تنظيم الإخوان، في بيان رسمي أصدره في 31 أكتوبر /تشرين الأول 2013م، وأكد فيه أن "لا علاقة تنظيمية أو سياسية للإصلاح بتنظيم الإخوان، وأنه حزب يمني بأدبياته ولوائحه وأولوياته"، وهو ما أعاد رئيس الحزب محمد اليدومي التأكيد عليه في مناسبات عديدة، إلا أن هذا الطرح لم يقنع السعودية، التي وجدت نفسها مضطرة إلى التحالف مع الإصلاح لتوفير ظهير شعبي مساند للحرب، التي قادتها في اليمن في 26 مارس/ آذار 2015م، تحت لافتة "دعم الشرعية وإنهاء الانقلاب"، فكان "تحالف الضرورة" بين المملكة والإصلاح واقعاً، مرّ بالكثير من مطبّات الريبة والتوجس، إذ وجّهت وسائل إعلام سعودية اتهامات عديدة للإصلاح، خلال السنوات الماضية، من قبيل اتهامه بـ "استنزاف التحالف وعرقلة النصر في جبهات المعارك"، وأنه "طابور خامس لقطر وتركيا في اليمن"، وأنه يقوم "بتجنيد المئات من عناصره للقتال في ليبيا دعماً لحكومة الوفاق"، ورغم هذه الاتهامات وأجواء التوجس والريبة، التي طغت على هذا التحالف، إلا أن العلاقة لم تصل إلى القطيعة، إذ غالباً ما كان يتم حذف هذه التناولات الإعلامية أو إتاحة الفرصة لقيادات الإصلاح لترد عليها. مؤخراً، وعقب فوز المرشح الأمريكي، جو بايدن، بانتخابات الرئاسة الأمريكية، والذي أعلن سابقاً بأنه سيعمل على إيقاف الحرب في اليمن، شرعت السعودية بتهيئة الساحة اليمنية لتسوية قادمة مع الحوثي، يرجّح أنها ستكون على حساب الشرعية، والتيار العريض فيها حزب الإصلاح، وعلى حساب حاضر اليمن ومستقبله، ولذا فإن "تحالف الضرورة" بين السعودية والإصلاح يتجه إلى الانهيار خلال الفترة القادمة.
الغدر السعودي سياسة دائمة
اتساقاً مع السياسة السعودية الدائمة في الغدر بالحلفاء، وضرب عمقها الاستراتيجي، والعمل ضد مصالحها، ومحاربة القوى الوطنية والإسلامية في العالم العربي، منذ ثورات "الربيع العربي"، والتوجّه السعودي الجديد بجعل الحرب على الإخوان أولوية للمملكة، خلال الفترة القادمة، اتساقا مع الموقف الإماراتي المؤثر على السياسة السعودية، ومع الموقف الفرنسي ضد الإسلام بذريعة محاربة الإرهاب، فإن السعودية تتهيأ لتوجيه ضربة كبيرة للشرعية والقوى الوطنية في اليمن، وفي مقدّمتها حزب الإصلاح، بعد أن صارت ترى الشرعية عبئاً عليها، وبعد أن بدأت بعض المنابر في السعودية تحذّر من حزب الإصلاح اليمني وخطره، وقد تكون هذه الضربة المحتملة "تسهيل سيطرة مليشيا الحوثي على مدينة مأرب"، وهي أبرز معاقل الشرعية والإصلاح في الشمال، خصوصاً بعد تقارير عن انسحابات عسكرية سعودية متتالية من محيط معسكر "ماس"، حيث تشتد المعارك الآن، ومنع صرف المرتبات الجيش الوطني، وعرقلة تزويده بالأسلحة النوعية، وهذه السيطرة ـ في حال حدوثها ــ ستوجّه الضربة القاضية للشرعية وللإصلاح، وستكون لها تداعيات كارثة على ملايين السكان في مأرب، ولكنها ستقوّي موقف جماعة الحوثي وتجعلها تفرض "اتفاق سلم وشراكة" جديداً، برعاية أممية إقليمية، كما ستعجّل بالتسوية المرتقبة بين السعودية والحوثيين.
مؤشرات عديدة ترجّح أن السعودية ستعمل على إقصاء الإصلاح في أي تشكيل حكومي قادم، أو ترتيبات سياسية جديدة، وستقدّم الدعم لمليشيا الحوثي في الشمال والانتقالي في الجنوب، لتوجيهها لمحاربة الإصلاح، وهي عودة لسياسة المملكة في اليمن عقب أحداث ثورة 11 فبراير شباط 2011م، حيث دعمت مليشيا الحوثي بكل السّبل والوسائل، وسهّلت انقلابها وسيطرتها على صنعاء، لضرب الإصلاح ومؤسساته وتصفية قياداته.
أين موقف الإصلاح مما يحدث؟
حتى الآن لا يوجد موقف أو تعليق لقيادات الإصلاح على اتهامات السعودية للإخوان، وفي هذا الإطار حزب الإصلاح، فما تزال قيادات الإصلاح تقيم في الرياض، وتتابع ما يحدث بصمت، وتترقب الأحداث خلال الفترة القادمة، ولا يبدو أنه سيكون لها موقف على المدى القريب، سوى التأكيد على ألاّ صلة للإصلاح بتنظيم الإخوان، وأنه حزب يمني، وأن الإصلاح شريك المملكة في مواجهة المليشيا الحوثية الإيرانية، والإشكالية هنا أن قيادات الإصلاح المقيمة في الرياض، فيما يشبه الإقامة الجبرية، ترى ألاّ خيار آخر لها ولليمن للخروج من الوضع الحالي سوى بالعمل مع التحالف حتى النهاية، مع إدراكها أن التحالف يقوم بتصفية الشرعية وإحراق أوراقها وعرقلة فاعليتها واستنزافها في المعارك المتواصلة، وهذا توجّه يدمّر السقف والجدران التي يعمل الإصلاح تحتها، كما تتماهى السعودية مع السياسة الإماراتية في اليمن، وتسهّل سيطرة الإمارات وميلشياتها على مناطق الجنوب، وتسوّق لمليشيا الإمارات، وتشرعن لها، ولكن الإصلاح يبدو عاجزاً عن الخروج من ورطة تحالفه مع السعودية، ويبدو أنها لن تتركه في منتصف الطريق، كما تخوّف اليدومي في أحد خطاباته، ولكنها إما ستلقي به في غياهب الإقصاء والتهميش، أو تدفعه إلى هاوية التنكيل والمطاردة، وهي سياسة سعودية عقيمة سيستفيد منها الحوثي وإيران، وسترتدّ على السعودية بشكل كارثي على المدى المتوسط، إن لم نقل القريب.
نقلا عن موقع قناة بلقيس