:
يحتفي أحرارُ مصرَ هذا العام بالذكرى العاشرة لثورة 25 يناير الشعبيةِ العارمةِ ، ضد نظامٍ عاثَ في المحروسة فسادا وخرابا . فتحقق لهم إسقاطه ، لتشهدَ البلادُ انتخاباتٍ رئاسيةً ، فاز بها محمد مرسي (رحمه الله) ، ليكون الرئيسَ الخامسَ لجمهوريةِ مصرَ ، والأولَ عبر انتخاباتٍ حرةٍ مباشرة نزيهةٍ ، أختارَ فيها الشعبُ رئيسَه دون تزويرٍ ولا تهديدٍ . ولكنَّهم تركوا البابَ مواربا دون إحكامٍ ، في وجِهِ خلايا فرعونَ ، هامانَ وجندِه ، وقارونَ وخزائنِه ، وما يلحقُ بهم من حاشية العمالةِ والاسترزاقِ والإجرامِ ، مما مكنها من التغلغلِ في جسدِ النظامِ بشكلٍ رسمي ، والتحكمِ بجوارحِ الشارعِ المطيعِ لكلِ استخفافٍ فرعوني بهم . ومن هنا وتحت سمعِ وبصرِ السلطة المنتخبةِ ، بدأ فريقٌ مصريٌ تمردَهُ على شرعيةِ مصرَ . فبعد 10 أشهرٍ من حُكمِ مرسي دَشَّنَتْ كافةُ فرقِ العملِ الإجرامي تنفيذَ مخططِ نسفِ الشرعية والحريةِ ، والعودةِ إلى الأحكام الجبريةِ والقوانينِ الإجباريةِ . فبدأت حملاتُ التشهيرِ بالشرعيةِ ، وهزِ هيبةِ رئيسِها ، وتشويه قادتِها ، والتخويفِ من حكمِها . حملاتٌ تستوجبُ عقابا قانونيا عادلا ، لما تَحمِلُه من قذفٍ وزورٍ وبهتانٍ ، ولكنَّ النظامَ تركَ لها الحبلَ على الغاربِ ، تقولُ ما تشاءُ وتفعلُ ما تريدُ . وفي سياقِ المخططِ وغيابِ الحزمِ المنضبطِ اللازمِ ، خَرَجَتْ 30 يونيو 2013م مظاهرةٌ تطالبُ برحيلِ مرسي . وفي ظلِ وهنٍ وفتورٍ حكومي أمامَ ما يجري ، أعلنَ هامانُهم عبدُ الفتاح السيسي عند التاسعة من مساء 3 يوليو 2013 عَزْلَ الرئيسِ ، وتعطيلَ العملِ بالدستور . لتُستباحَ بعدها الكرامةُ وتُنتَهك الأعراضُ وتُسحَقَ الحريةُ وتُزهَق الأرواحُ ويُهانُ الأحرارُ والحرائرُ . وسيظل ميدانُ رابعةَ شاهدا على إقْدَامِ المجرمِ الطاغيةِ ، وترددِ الحاكمِ الداعيةِ .
واليومَ ونحن نشرفُ على تمام 7 سنواتٍ ونصفِ العامِ من حكم السيسي والعسكرِ . ألا يسألُ المخدوعون أنفسَهم " ما هي منجزاتُ السيسي ؟ " . ألا يَرَون النتيجةَ الكارثيةَ من واقع الأحداثِ والأرقامِ ؟. :
- أعلن البنكُ المركزيُ ارتفاعَ الدَينِ الخارجي المستحقِ على مصرَ إلى نحو 112.67 مليار دولار ، بنسبة 145% منذ سطو السيسي على الحكمِ .
- وفقا لتقاريرَ دوليةٍ فقد خسرت مصرُ مع صعود السيسي جزءا من مساحتها الكليةِ المقدرة حتى عام 2018 بمليون كلم مربع . حيث تنازلَ العسكرُ لصالح السعودية عن جزيرتي تيران (80 كلم2) وصنافير (33 كلم2) ، وتعدان مقصدا سياحيا وموقعا مهما في تأمينِ الدفاعِ الإستراتيجي لسيادةِ مصر ، وتمكنان من إغلاق خليجِ العقبةِ بالكامل في حالِ نشوبِ حربٍ مع إسرائيلَ . كما وقعت مع الرياضِ في 2018 اتفاقيةَ مشروع " نيوم " والذي يقتطعُ ألفَ كلم2 جنوبي سيناء ، في ظل تخوف من استثمارات إسرائيلية به .
- في أواخر 2014 استهلَ السيسيُ حُكمَه بالتصديقِ على اتفاقيةٍ مع قبرص بشأن التعاونِ في تنمية حقولِ الغاز في البحر المتوسط ، والتي أصبحت من أهم احتياطِ الغازِ بالعالم . وفي مايو 2015 كشفَ خبيرُ البترولِ المصريُ رمضانُ أبو العلا " أنَّ إقرارَ الاتفاقيةِ حَرَمَ مصرَ من حقِها في حقلي "أفروديت" القبرصي و"ليفياثان" الإسرائيلي ، اللذين تقدرُ ثرواتُهما بحوالي 200 مليار دولارٍ . وهما أساسا داخل مياه مصر الاقتصاديةِ " . كما أعلنت القاهرةُ وتل أبيبُ في 2018 عن اتفاقيةٍ تبلغُ قيمتُها 10 مليارات دولارٍ ، لاستيرادِ مصرَ الغاز من إسرائيل لمدة 15عاما ، وذلك من حقولٍ يؤكدُ مراقبون أنَّها خاضعةٌ لسيادة مصرَ .
- كشفت شبكةُ الجزيرةِ عن وثائقَ بشأن ترسيمِ الحدودِ بين مصرَ واليونان عام 2018 ، تؤكدُ أنَّ السيسيَ أصرَ على استكمالِ الترسيم متجاهلا اعتراضَ وزارةِ خارجيته على تنازلِ مصرَ عن ٧ آلاف كلم مربع ، من بينها ٣ آلاف من حدودها المائيةِ المقابلة لسواحلِ تركيا .
- وبالإضافة إلى خسارةِ مصرَ لسيادة أجزاءٍ من ترابها العامرِ ومياه بحرها الزاخرِ ، فإنَّ حصةَ مصرَ التاريخيةَ من مياه نهرِ النيلِ باتت محلَ شكٍ ، حيث يتحملُ السيسيُ مسؤوليةَ التنازلِ عن هذا الحقِ في مياه النيلِ بعد توقيعِهِ "اتفاق المبادئ" عام 2015 مع أثيوبيا ، وهو ما يعتبره مراقبون اعترافا رسميا بحق إثيوبيا في بناء السدِ ، مما يطوي اتفاقياتٍ قديمةً تحفظُ لمصر حصتها من مياه النيل ( 55.5 مليار متر مكعب ) .
90 شهرا مضت ، فيها وعدَ السيسيُ ببناء مصر فبنى القصورَ الرئاسيةَ . وعَدَ بالعمران فدكَ البيوتَ المعمرةَ وظهورَ أهلِها . وعد بالحريةِ والأمنِ والعدلِ ، فَسَنَّ قوانينَ تُكممُ الأفواهَ وتسجن كلَ من فضحَ الفسادَ ، وجهز أمنا يُزهقُ الأرواحَ ويعتقلُ الأبرياءَ ، وأعَدَ قضاءً يحكمُ بما تشتهيه السلطةُ . وعَدَ بالسيادةِ فضاعت ريادةُ القيادةِ . وعد بحماية الوطن ، فصار جيشُ مصرَ أداةً لقهر المواطن ، وترابُها مَدَاسا للطامعين ، وحدودُها بوابةً ترحبُ بالمرتزقة وتصدُ المخلصين . وعد بالاقتصاد والرخاءِ فاصبحَ يشحتُ من المواطن 50 جنيها دعما للدولة . وعد بحريةِ الرأي فأصبحَ الحُرُ مطلوبا أمنيا ، أو منفيا من الوطن . ويالها من منجزاتٍ ومكاسبَ يفخر بها مبغضو مصرَ . أما نحن محبي ذراتِ ترابِها ومكارمِ شعبِها وآصالة تاريخها ، فكم يؤلمُنا أن نرى مصرَ قائدةَ الأُمةِ .. تنقادُ اليومَ كالأَمَةِ .
أبو الحسنين محسن معيض